عبارة عما علموه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم أمر الله رسوله بأن يجيب عن ذلك الإلزام الذي ألزمهم به حيث قال : (مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى) فقال : (قُلِ اللهُ) أي أنزله الله (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) أي ذرهم في باطلهم حال كونهم يلعبون ، أي يصنعون صنع الصبيان الذين يلعبون. قوله : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) هذا من جملة الرد عليهم في قولهم : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) أخبرهم بأن الله أنزل التوراة على موسى ، وعقبه بقوله : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ) يعني على محمد صلىاللهعليهوسلم فكيف تقولون : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) ومبارك ومصدق : صفتان لكتاب ، والمبارك : كثير البركة ، والمصدق : كثير التصديق ، والذي بين يديه : ما أنزله الله من الكتب على الأنبياء من قبله كالتوراة والإنجيل ، فإنه يوافقها في الدعوة إلى الله وإلى توحيده وإن خالفها في بعض الأحكام. قوله : (وَلِتُنْذِرَ) قيل : هو معطوف على ما دل عليه مبارك ، كأنه قيل : أنزلناه للبركات ولتنذر ، وخص أم القرى وهي مكة لكونها أعظم القرى شأنا ، ولكونها أوّل بيت وضع للناس ، ولكونها قبلة هذه الأمة ومحلّ حجهم ، فالإنذار لأهلها مستتبع لإنذار سائر أهل الأرض والمراد بمن حولها جميع أهل الأرض ، والمراد بأنذر أمّ القرى : إنذار أهلها وأهل سائر الأرض فهو على تقدير مضاف محذوف كسؤال القرية (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) مبتدأ ، و (يُؤْمِنُونَ بِهِ) خبره ، والمعنى : أن من حقّ من صدق بالدار الآخرة أن يؤمن بهذا الكتاب ويصدقه ويعمل بما فيه ، لأن التصديق بالآخرة يوجب قبول من دعا الناس إلى ما ينال به خيرها ويندفع به ضرّها ، وجملة (وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) في محل نصب على الحال ، وخص المحافظة على الصلاة من بين سائر الواجبات لكونها عمادها وبمنزلة الرأس لها. قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) هذه الجملة مقررة لمضمون ما تقدّم من الاحتجاج عليهم بأن الله أنزل الكتب على رسله : أي كيف تقولون : ما أنزل الله على بشر من شيء ، وذلك يستلزم تكذيب الأنبياء عليهمالسلام ، ولا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا فزعم أنه نبيّ وليس بنبيّ ، أو كذب على الله في شيء من الأشياء (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) أي والحال أنه لم يوح إليه شيء ، وقد صان الله أنبياءه عما تزعمون عليهم ، وإنما هذا شأن الكذّابين رؤوس الإضلال كمسيلمة الكذّاب والأسود العنسيّ وسجاح. وقوله : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) معطوف على (مِمَّنِ افْتَرى) أي ومن أظلم ممن افترى أو ممن قال : أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء ، أو ممن قال : سأنزل مثل ما أنزل الله ، وهم القائلون : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) وقيل : هو عبد الله بن أبي سرح ، فإنه كان يكتب الوحي لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأملى عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) فقال عبد الله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هكذا أنزلت» فشكّ عبد الله حينئذ وقال : لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إليّ كما أوحي إليه ، ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال ، ثم ارتدّ عن الإسلام ولحق بالمشركين ، ثم أسلم يوم الفتح كما هو معروف. قوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أو لكل من يصلح له ، والمراد كلّ ظالم ، ويدخل فيه الجاحدون لما أنزل الله ، والمدّعون للنبوات افتراء على الله دخولا أوّليا ، وجواب لو : محذوف ، أي لرأيت أمرا عظيما ، والغمرات : جمع غمرة ، وهي الشدّة ، وأصلها الشيء