نري إبراهيم ، والجملة معترضة ، و (مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكهما ، وزيدت التاء والواو للمبالغة في الصّفة ، ومثله الرغبوت والرهبوت مبالغة في الرغبة والرهبة. قيل : أراد بملكوت السّموات والأرض ما فيهما من الخلق ؛ وقيل : كشف الله له عن ذلك حتى رأى إلى العرش وإلى أسفل الأرضين ؛ وقيل : رأى من ملكوت السموات والأرض ما قصه الله في هذه الآية ؛ وقيل : المراد بملكوتهما الربوبية والإلهية ، أي نريه ذلك ، ونوفقه لمعرفته بطريق الاستدلال التي سلكها ؛ ومعنى (نُرِي) أريناه ، حكاية حال ماضية. قوله : (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) متعلق بمقدّر : أي أريناه ذلك (لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) وقد كان آزر وقومه يعبدون الأصنام والكواكب والشمس والقمر ، فأراد أن ينبههم على الخطأ ؛ وقيل : إنه ولد في سرب ، وجعل رزقه في أطراف أصابعه ؛ فكان يمصها. وسبب جعله في السرب أن النمروذ رأى رؤيا أنّ ملكه يذهب على يد مولود ؛ فأمر بقتل كل مولود ، والله أعلم. قوله : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) أي ستره بظلمته ، ومنه الجنة والمجنّ والجنّ كلّه من الستر ، قال الشاعر :
ولو لا جنان اللّيل أدرك ركضنا |
|
بذي الرّمث والأرطى عياض بن ناشب |
والفاء للعطف على (قالَ إِبْراهِيمُ) : أي واذكر إذ قال وإذ جنّ عليه ، الليل فهو قصة أخرى غير قصة عرض الملكوت عليه ، وجواب لما (رَأى كَوْكَباً) قيل : رآه من شقّ الصّخرة الموضوعة على رأس السرب الذي كان فيه ؛ وقيل : رآه لما أخرجه أبوه من السرب وكان وقت غيبوبة الشمس ؛ قيل : رأى المشتري وقيل : الزهرة. قوله : (هذا رَبِّي) جملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر كأنه قيل : فما ذا قال عند رؤية الكوكب؟ قيل : وكان هذا منه عند قصور النظر لأنه في زمن الطفولية ؛ وقيل : أراد قيام الحجّة على قومه كالحاكي لما هو عندهم وما يعتقدونه لأجل إلزامهم ، وبالثاني قال الزجاج ؛ وقيل : هو على حذف حرف الاستفهام : أي أهذا ربي؟ ومعناه إنكار أن يكون مثل هذا ربا ، ومثله قوله تعالى : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) (١) أي أفهم الخالدون ، ومثله قول الهذلي :
رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع |
|
فقلت وأنكرت الوجوه هم هم |
أي أهم هم ، وقول الآخر (٢) :
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا |
|
بسبع رمين الجمر أم بثمان |
أي أبسبع ، وقيل المعنى : وأنتم تقولون هذا ربي فأضمر القول ؛ وقيل : المعنى على حذف مضاف : أي هذا دليل ربي (فَلَمَّا أَفَلَ) أي غرب (قالَ) إبراهيم (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) أي الآلهة التي تغرب ، فإن الغروب تغير من حال إلى حال ، وهو دليل الحدوث (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً) أي طالعا ، يقال : بزغ القمر : إذا ابتدأ في الطلوع ، والبزغ : الشق كان يشق بنوره الظلمة (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي)
__________________
(١). الأنبياء : ٣٤.
(٢). هو عمر بن أبي ربيعة.