وكذا آلاف منفعة ، وإذا كان هذا هكذا ، فتلك هى الطريقة الشرعية والطبيعية التى جاء بها الرسل ونزلت بها الكتب.
والعلماء ليس يفضلون الجمهور فى هذين الاستدلالين من قبل الكثرة فقط ، بل من قبل التعمق فى معرفة الشيء الواحد نفسه ، فإن مثال الجمهور فى النظر إلى الموجودات مثالهم فى النظر إلى المصنوعات التى ليس عندهم علم بصنعتها ، فإنهم يعرفون من أمرها أنها مصنوعات فقط ، وأن لها صانعا موجودا ، ومثال العلماء فى ذلك مثال من نظر إلى المصنوعات التى عنده علم ببعض صنعتها ، وبوجه الحكمة فيها ، ولا شك أن من حاله العلم بالمصنوعات هذه الحال هو أعلم بالصانع من الذى لا يعرف من تلك المصنوعات إلا أنها مصنوعة فقط (١). أ. ه.
وبعد : فهذه الأدلة وما أكثر نظائرها فى القرآن تدل على وجود الخالق جل وعلا ، بل على وجوده أزلا وأبدا ، وأنه واحد ، له كل صفات الجلال والإكرام.
أما عن أزليته ، فنسوق دليل ابن رشد ، وهو أن الموجودات الممكنة لا بد لها من علل تتقدم عليها ، فإن كانت العلل ممكنة ، لزم أن يكون لها علل ، ويمرّ الأمر إلى غير نهاية ، وذلك هو التسلسل المحال ، وإن لم يكن هناك علة لزم وجود الممكن بلا علة ، وذلك مستحيل ، فلا بد من أن ينتهى الأمر إلى علة ضرورية ، فإذا انتهى الأمر إلى علة ضرورية ، لم تخل هذه العلة الضرورية أن تكون ضرورية بسبب أو بغير سبب ، فإن كانت بسبب ، سئل أيضا فى ذلك السبب ، فأما أن تمر الأسباب إلى غير نهاية ، فيلزم أن يوجد بغير سبب ما وضع أنه موجود لسبب ، وذلك محال ، فلا بد أن ينتهى الأمر إلى سبب ضرورى بلا سبب ، أى بنفسه ، وهذا هو واجب الوجوب ضرورة. أ. ه.
وقوله : فيلزم أن يوجد بغير سبب ... إلخ ، وذلك لأن التسلسل محال ، يعنى فلا وجود له ، فقد تبين أن ما فرض أنه بسبب وهو العلة الضرورية فى وجود الممكنات أصبح بلا سبب ، وهذا خلاف الفرض ، وهو محال.
وأما عن كونه أبديا ، فإنا نقول : ثبت فى أصول التوحيد وقواعد المنطق أن ما ثبت قدمه استحال عدمه.
أما عن كونه واحدا ، فإننا نسوق الدليل المتعين على كل طالب علم أن يعرفه ، فهذه
__________________
(١) انظر : مناهج الأدلة لابن راشد ، تحقيق د. محمود قاسم (ص ١٥١ ـ ١٥٥) بتصرف.