الكوكبية لا يمكن استنادها إلى أفلاك وكواكب أخرى ، وإلا لزم الدور أو التسلسل ، وكلاهما محال(١).
ولا يمكن استناد تلك الحركات والأوضاع إلى قوة الأفلاك من حيث إنها أجسام متماثلة فى الجسمية ، فلو كان جسم معين من تلك الأجسام علة لصفة ، ووضع معين فى هذا الجسم ، لكان كل جسم واجب الاتصاف بذلك الوضع والصفة ، ولامتنع اختلاف الصفات والأوضاع ، أى لأن السبب واحد ، وهو الجسمية ، وهو موجود فى الكل ، ولكن الاختلاف فى الصفات والأوضاع موجود لم يمتنع ، فالجسمية ليست هى السبب ، فثبت أن الجسم يمتنع أن يكون متحركا لكونه جسما ، وبقى أن يكون متحركا لغيره ، وذلك الغير إما أن يكون قوة قائمة به ، أو أمرا مباينا له.
والأول باطل كما تقدم بأن يقال : لم اختص ذلك الجسم بعينه بتلك القوة بعينها دون سائر الأجسام ، فتعين أن تكون تلك الحركة مستندة إلى أمر مباين عنه ، وذلك المباين لا يخلو إما أن يكون موجبا بالذات إلى جميع الأجسام على السوية ، فلا يكون بعض الأجسام بقبول بعض الصفات المعينة أولى من بعض ، لكن ثبت أن بعض الأجسام أولى ببعض الصفات من بعض الأجسام الأخرى ، فتعين أن ذلك المباين فاعل مختار ، وأن الحركات الفلكية على تقدير استناد الحوادث السفلية إليها حادثة بتخليق الله تعالى وتقديره وتكوينه جل شأنه. ولما تم هذا الدليل فى هذا المقام ، ختمت الآية بقوله تعالى :
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
رابعا : آيات فى مظاهر التدبير الإلهى لأحوال الناس الخاصة :
١ ـ أعمار الناس وآجالهم : ضبط بعض الباحثين أعمار الإنسان فى أربعة مراتب :
المرتبة الأولى : سن الطفولة والنمو ، وهو من أول العمر إلى بلوغ ثلاثة وثلاثين سنة ، وهو غاية سن الشباب وبلوغ الأشد.
المرتبة الثانية : سن الوقوف ، وهو من ثلاثة وثلاثين سنة إلى الأربعين ، وهو غاية القوة وكمال العقل.
__________________
(١) الدور هو توقف معلول على علة توقفت عليه بمرتبة أو بمراتب ، وهو باطل ؛ لأنه يلزم تقدم الشيء على نفسه ، وإن استمرت سلسلة العلل والمعلولات إلى غير نهاية ، فهو التسلسل المحال ببراهين متعددة ذكرها العلماء.