معرضا لما تريد أن تقتلعه من النفوس من أفكار سقيمة ، وتفرقة ظالمة ، وقيم جاهلة ، وهضم للحقوق ، وأن تكثر من ذكر الأحداث للاعتبار والاتعاظ فى تلك الحياة التى انغمسوا فيها ، تتكلم عن البعيد ، وتذكر الأحداث التاريخية ، وتندد بالشركاء فى التجارة ، والشرك فى العقيدة ، والكفر ، والعناد.
أما فى المجتمع المدنى ، فتساق الأمثال معتمدة على مظاهر الحياة التى تحيط بالناس ، فتأخذ من مظاهر الطبيعة ، وما فيها من ظلمة ونور ، ورياح وغيث ، ونباتات وجمادات ، وأصوات ومخلوقات ، ما توجه إليه أنظار الناس ؛ ليكون محل تدبر وإبصار ، فتكون الهداية ، وكما تأخذ من مظاهر الحياة الخارجية التى تحيط بفكرهم ، كاليهود وأشياعهم ، فتندد بمواقف أصحاب هذه الكتب من الرسول ودعوته ، وذكر أحوال الأمم السابقة ، وما حل بهم جزاء كفرهم وعنادهم ، وما يجب أن يكون عليه المؤمن الحق من صفات ، وإخلاص الإيمان بالله صاحب القدرة المطلقة ، والاهتمام بالقيم النبيلة ، وعدم الاغترار بالحياة الدنيا وما فيها.
٤ ـ أما مضمون الأمثال وموضوعاتها ، فتختلف اختلافا واضحا بين المكى والمدنى ، اختلافا دعت إليه ظروف الدعوة الإسلامية ، واختلاف الناس والمجتمع ، والحالات التى تستدعى علاجا معينا ، ويبدو ذلك فى الآتى :
المجتمع المكى مجتمع جاهلى تتحكم فيه تلك العادات الباطلة ، والتقاليد البالية ، وتسيطر عليه أفكار وثنية خائبة تلغى العقل ودوره ، وتسمح للطبقية أن تعلو ، وللعنصرية أن توجد ، وللرأسمالية الظالمة الباغية أن تتحكم ، كل هذه العناصر جعلت صوت الحق يخبو ، ونور الله يتبدد بين قوم قساة القلوب ، غلاظ الأكباد ، نفوسهم قدت من صخر ، لا تلين لدعوة ، ولا تستجيب لنداء كريم ، حتى كانت كلمة الله ، ونزل الوحى على محمد صلىاللهعليهوسلم ابن هذه البيئة ، ولكن الله اختاره من صفوة خلقه ليعالج هذا الأمر بالقرآن الذى يوحى إليه ، وبكل الطرق التى يسلكها رسول الله ، فكانت هذه الأمثال وهذه الآيات التى تعالج الكفر بالله ، وتندد بدعاة هذا الكفر وأصحابه ، وتقبح أعمال الكفار الذين يتخذون الأصنام آلهة من دون الله ، ويلغون عقولهم وتفكيرهم ، وتقبح لهم اتخاذ الشركاء ، وتزجرهم عن المعاصى ، وتحبب إليهم الإيمان ، وتكره إليهم الكفر ، والفسوق ، والعصيان.