الروحية ، وهى صفاء القلب ، وتفتح العقل ونوره ، حتى لا يكون مظلما ، وغير قادر على العمل ، فالعقل مصدر كل شىء ، والتقدم مرهون بتشغيل عقول الناس.
ومن خلال هذا المثل نرى الفرق واضحا بين من عطّل حواسه ، ومن أحسن استغلالها فى فائدة تعود عليه ، فمثل (الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [هود : ٢٤] ، وقال أيضا : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) [الملك : ١٠ ، ١١].
وبعد استعراض تلك الأمثال القرآنية التى تناولت فكرة الاعتقاد والدعوة إلى الإيمان بالله الواحد الذى يتجه إليه بالعبادة ، ويفرد بالتعظيم والإجلال ، وتطهير النفوس من غواشى الجهالة التى تسيطر عليها ، فتحول بينها وبين الإيمان الصحيح القائم على استخدام العقل والفكر.
ولذلك كانت رسالة محمد ودعوته إلى الإيمان بالله الواحد الأحد ، وما يتبع ذلك من أمور اعتقادية ، هى من صميم الفكرة الأم التى دعا إليها القرآن ، ونادى بها رسول الله ، فالله هو خالق الخلق ، وهو المحيى والمميت.
وإذا كانت هناك حياة ، فلا بد وأن يكون هناك موت ، وإذا كان هناك موت ، فلا بد أن تكون هناك حياة أخرى للحساب ، والعقاب ، والمجازاة على الأعمال التى كانت وحدثت من الإنسان فى دنياه ، فلا يعد الإنسان إنسانا إلا إذا كان صاحب إرادة ، وصاحب عمل يصدر عنه ، ويكافأ عليه ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، وهذا هو مقتضى العدل الإلهى الذى وضعه الله للإنسان فى دنياه وأخراه ، وبذلك كان التمييز عن بقية المخلوقات التى تكون ترابا ، والمخلوقات الأخرى فى ملكوت الله الواسع العظيم التى خلقها لتكون فى يومها الموعود على غير ما هى عليه فى الدنيا من نظام مرسوم.
حياة دنيوية هى مقر الإنسان ، ومحل العمل ، يترتب على ذلك جزاء وثواب ، وعقاب فى الدنيا وفى الآخرة.
هذا هو طريق الإيمان الذى يجب أن يسلكه المؤمن فى اعتقاده ، ولذلك كان البعث ، والنشور ، والحساب ، من مستلزمات هذا الإيمان ، والكفر بذلك يقتلع فكرة الإيمان من جذورها ، ويجعلها لا تقوم على أساس ، آمن بذلك القدامى ، وسيطر ذلك على