وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) [ص : ٤ ، ٥].
تدرجت الآيات القرآنية بأساليبها العديدة فى دعوتهم عن طريق الإقناع ، وسوق الدليل ؛ لتنمى فيهم جانب العقل والتفكير ، حتى إذا كان الإيمان كان على بصيرة من الأمر واقتناع بما أنزل الله ، وإيمان كامل بوحى الله وشريعته.
استمر الرسول يدعو إلى الإيمان بوحدانية الله ، وهى الأساس الإيمان بكل ما جاء من عنده ، فى مكة ثلاثة عشر عاما ، ثم انتقل بعد ذلك إلى الهجرة إلى المدينة ، فكان الانتقال إلى مرحلة البناء والجهاد فى سبيل الله ، والاتصال بالمجتمعات الأخرى ، وإرسال الرسائل إلى الملوك والأمراء ، يدعوهم إلى كلمة الله والدخول فى الإسلام ، وكان اللقاء مع أولئك الذين صدّوا عن سبيل الله فى ميادين القتال فى الحرب والسلام.
كانت مرحلة التأسيس ، وتطهير النفوس والقلوب مما ران عليها من الشرك ، والجهل ، والتقليد ، هى أخطر المراحل ، وأولاها بالاهتمام ، يبدو هذا من آيات الله فى أمثاله ، والإكثار منها ، وما تناولته من عقائد وشرعته من شرائع ، ودعت إليه من قيم.
ثم كانت بعد ذلك مرحلة البناء ، والمحافظة عليه بالحرب والسلم فى المدينة ، وهى مرحلة بدأها رسول الله بالوحى الذى أنزل عليه ، ثم سار بعد ذلك على دربها صحابته ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
ونحن إذ نعرض لتلك الآيات القرآنية التى تعالج الدعوة إلى وحدانية الله ، والإيمان به ، فى ذلك الثوب القرآنى ، ثوب الأمثال ، لا نقصد من وراء إيرادها على ذلك النهج أن تكون خاضعة لتسلسل نزولها ، ففي ذلك جهد لا نملك أدواته ، ولا نستطيع أن نقطع فيه برأى ، وإنما نقصد من وراء ذلك تحقيق الهدف والغاية التى إليها نسعى ، ونقصد من كتابة هذه الموضوعات وهى غرس القيم الدينية البعيدة عن الانحراف ، القيم التى تدعو إلى الإيمان بالله ووحدانيته ، واتصافه بالكمال المطلق ، والإيمان بما أنزل.
هذه القيم هى التى يجب أن يعلو صوتها فوق كل صوت ، وتأثيرها فوق كل تأثير ، فى وقت نعيش فيه ، ويعيش فيه شبابنا ، ويحسون بذلك الفراغ الروحى الذى يسيطر على كل خطواتهم وميولهم واتجاهاتهم ، فيحسون معه بالضياع ، والاكتئاب ، والقلق ، والعثار ، ويتلمسون كل وسيلة يعتقدون أن وراءها حلا لمشكلاتهم ، وقضاء على