نعم : لقد جهلوا حقيقة فطرتهم ، وانحرفوا بها عن القصد ، وسلكوا طريق من حرم التوفيق والبصيرة ، والفهم بتلك العبادة الباطلة للأحجار والأصنام.
٢ ـ حقيقة التوحيد :
(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٧٩].
الإيمان بوحدانية الله ، وهو إفراده بألوهيته فى الأرض ، كإفراده بالألوهية فى السماء ، وعدم تعدده فى ذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، هو الفارق بين طريق وطريق ، طريق الحق ، وطريق الباطل ، طريق الهدى ، وطريق الضلال ، وكانت هذه الحقيقة التى نطق بها أبو الأنبياء إبراهيم ، عليهالسلام.
هذه النقلة فى الاعتقاد كانت طريق الأنبياء والرسل ، ولم يكن هذا الطريق ممهدا مملوءا بالورود والرياحين ، ولكنه طريق الشوك والقتاد ، طريق الصعاب ، والألم ، والتضحيات ، فكم من نبى ورسول حورب من قومه ، وقوبل بالهزء والسخرية ، وكان محل تندر ، وسخرية مريرة من أهله ، وكم من نبى ورسول قتل فى سبيل هداية قومه إلى طريق الحق كما حدث فى بنى إسرائيل.
ولم يكن محمد ، عليه الصلاة والسلام ، بدعا من الأمر ، أو بعيدا عن مواطن المشقات والمتاعب ، فقد أرسل إلى قوم غلف القلوب ، غلاظ الأكباد ، صم الآذان ، عمى العيون ، لا يستمعون لكلمة الله ولا يصيخون لدعوة الحق ، ولا تؤثر فيهم موعظة حسنة ، حتى إذا نزلت إليهم الآيات القرآنية تدعوهم إلى عبادة الله وحده بطرائقها العديدة ، وأساليبها المختلفة من أمر إلى نهى ، من استفهام إلى خبر ، من قصة إلى مثل ؛ لاستمالتهم والتأثير فى نفوسهم ، اتخذوا من ذلك أداة للتندر والتفكه ، وأعرضوا عن السماع ، مع ما لهم من ملكة التذوق والفهم لهذه الأساليب التى أتت من جنس ما يتكلمون ويتحدثون ، ولكنه الكبرياء الذى تمكن من نفوسهم ، والغرور الذى سيطر على قلوبهم ، فكيف يدعو محمد إلى ذلك ، ويظهر من بين أيديهم ، ولا يكون من أولئك العظماء الذين يدينون لهم بالطاعة والخضوع ، ويعرفون لهم مكان الشرف والسيادة : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) [الزخرف : ٣٢] ، وفى آية أخرى. (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ