عن الكمال الذي أعدّه الله تعالى لهم ، وصرف أنفسهم عن كسب الأخلاق الفاضلة ، والفضائل الانسانية التي من أهمها حب الخير والميل إلى الحق ، والتحبب إلى أهله ؛ وأن حرمانهم عن جميع ذلك والاشتغال بالإضلال والتوجه إلى الغواية صرف للنفس عن نيل الكمال والسعادة والهداية ، وهم لا يشعرون بذلك إذ أن قصدهم وهمّهم هو صدّ المؤمنين عن الإيمان والحق ، وقد استولى هذا الشرّ على نفوسهم فأوجب حرمانهم عن أهم الفضائل ومكارم الأخلاق. ومما ذكرناه يعرف وجه الحصر في الآية الشريفة.
ونفى الشعور عنهم مبالغة في ذمهم ، وحرمانهم عن الحقيقة الانسانية التي بها ميّز الله تعالى الإنسان عن غيره.
قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ).
الاستفهام إنكاري توبيخي ، والمراد بآيات الله الكمالات الانسانية والمعارف الحقة الإلهية ، والحقائق التي أنزلت في الكتب السماوية مثل نبوة نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ، والبشرى به ، وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وان إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ، وأن الله واحد أحد لا شريك له وهو قادر على كل شيء ، وغني عن العالمين ، وغير ذلك من الحقائق التي قامت الدلائل الواضحة ، والبراهين القويمة عليها ، وأن إنكارها والكفر بها بعد العلم بها يكون كفر جحود ومكابرة للحق ، وهما من أعظم أنحاء الكفر وشناعته أكبر.
والكفر بآيات الله غير الكفر بالله تعالى الذي يكون منشأه الالتزام بالشرك ونفي التوحيد ، والأول اصطلاح قرآني يستعمل مع أهل الكتاب لأنهم لا ينكرون الله تعالى.