بحث عرفاني
يمكن ان يكون قوله تعالى : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ) اشارة إلى معراج آخر لنبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) فان معراجه الاول كان في مكة من بيت أم هاني وكان من الخلق إلى الحق والانقطاع عن العلائق بالكلية والانقطاع إلى الرب الفياض من جميع الجهات وإعداد نفسه الأقدس لمعراج آخر والسفر من الحق لكشف الحجب الظلمانية عن النفوس ولا حجاب أقوى واغلظ من الكفر مطلقا ولا ينكشف ذلك الحجاب إلا بالسيف فكما أن لجهاده وحروبه المقدسة دخلا في نظام التشريع لها دخل في نظام التكوين أيضا ، وهو إثارة العقول المستترة بالسيوف التي تعمل في نصرة الحق. والغدو من الأهل لتعيين مواقع القتال للمؤمنين معراج للرسول الكريم لإظهار الحق وازالة الحجب والاغشية الظلمانية ، ومن المعلوم إن أغلى الأشياء وأعظمها لدى الإنسان هي الروح التي بين جنبيه ونفسه التي يقضي بها آماله ويفعل أفعاله فهي الأصل وجميع ما سواها من الأهل والمال وسائر الجهات من الفروع التي ترجع إلى حفظ النفس وحب بقائها ، وهذه الجوهرة النفيسة إن بذلت في الأوهام والخيالات والماديات فقد بيعت بأرخص الأشياء وشريت بثمن بخس ، وان كان بذلها في الحقيقة التي لاحد لكمالها بوجه من الوجوه فهي السعادة العظمى. ومن مظاهر تلك الحقيقة الجهاد في سبيل الله تعالى فانه اتصال بالمبدأ القيوم قال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران ـ ١٦٩ فهل يعقل حدا لمعنى «عند»