بالبيانات الإلهية التي هي عبارة عن الكتاب والحكم المودعة فيه. وهي تشمل جميع المعارف الضرورية من المبدأ والمعاد ، وكل ما يحكم به العقل السليم ، والفطرة المستقيمة التي قررتها الكتب السماوية ، وهي الميثاق المأخوذ من الجميع ، فالحكمة ترجع إلى الكتاب وهو يرجع إليها ، والفرق بينهما بالإجمال والتفصيل ، كما أن الفرق بين جميع الأنبياء وخاتم النبيين أيضا كذلك ، لأنه يبين حقيقة ما أوحي إليهم مع شيء زائد ، فلذلك كانت دعواتهم اليه (صلىاللهعليهوآله) ولأجل ذلك فصّل سبحانه الدعوة اليه بقوله عزوجل : (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) اهتماما به ، وإرشادا إلى علوّ درجته وسموّ مقامه.
قوله تعالى : (قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا).
خطاب للمأخوذ منهم الميثاق والاستفهام تقريري. والإقرار معروف وهو الإثبات والإلزام. والإصر هو العهد والميثاق ، سمي به ، لأنه إما من الإصر وهو الثقل ، لأن العهد فيه ثقل وتشديد. أو من الإصار ، وهو ما يعقد به ويشدّ ، لأن العهد يشد به ، وتقدم في قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) البقرة ـ ٢٨٦ بعض الكلام.
وإنما عدل سبحانه عن لفظ العهد إلى هذه الكلمة (إصري) للإرشاد إلى أن ناقضه محروم من الثواب وواقع في مأزق العقاب وشدة العذاب ، فيكون مثل هذا العهد قد حبس صاحبه عن التهاون في التزامه ، والتسامح فيه.
أي قال الله تعالى للنبيين : أأقررتم بالميثاق المذكور آنفا وأخذتم