الباء السببية : أي فرقناه بسببكم ، وقيل : إن الجار والمجرور في محل الحال : أي فرقناه متلبسا بكم ، والمراد هاهنا : أن فرق البحر كان بهم ؛ أي بسبب دخولهم فيه ، أي لما صاروا بين الماءين صار الفرق بهم. وأصل البحر في اللغة : الاتساع ، أطلق على البحر الذي هو مقابل البرّ لما فيه من الاتساع بالنسبة إلى النهر والخليج ، ويطلق على الماء المالح ، ومنه أبحر الماء : إذا ملح ، قال نصيب :
وقد عاد ماء الأرض بحرا فزادني |
|
إلى مرضي أن أبحر المشرب العذب |
وقوله : (فَأَنْجَيْناكُمْ) أي أخرجناكم منه : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) فيه. وقوله (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) في محل نصب على الحال : أي حال كونكم ناظرين إليهم بأبصاركم ؛ وقيل معناه : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) أي ينظر بعضكم إلى البعض الآخر من السالكين في البحر ؛ وقيل : نظروا إلى أنفسهم ينجون وإلى آل فرعون يغرقون. والمراد بآل فرعون هنا هو وقومه وأتباعه. وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا تلا : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) قال : مضى القوم ، وإنما يعني به أنتم. وأخرج ابن جرير عن سفيان بن عيينة قال في قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) هي أيادي الله وأيامه. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : نعمة الله التي أنعم بها على بني إسرائيل فيما سمى وفيما سوى ذلك ، فجّر لهم الحجر ، وأنزل عليهم المنّ والسلوى ، وأنجاهم من عبودية آل فرعون. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) قال : فضلوا على العالم الذي كانوا فيه ، ولكل زمان عالم. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن أبي العالية في قوله : (فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) قال : بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على من كان في ذلك الزمان ، فإن لكل زمان عالما. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) قال : لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا. وأخرج ابن جرير عن عمرو بن قيس الملائي ، عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن الثناء عليه قال : «قيل : يا رسول الله! ما العدل؟ قال : العدل الفدية». وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه. قال ابن أبي حاتم : وروي عن أبي مالك والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك. وأخرج عبد الرزاق عن عليّ في تفسير الصرف والعدل قال : التطوّع والفريضة. قال ابن كثير : وهذا القول غريب هاهنا ، والقول الأوّل أظهر في تفسير هذه الآية. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : قالت الكهنة لفرعون إنه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكه ، فجعل فرعون على كل ألف امرأة مائة رجل ، وعلى كل مائة عشرة ، وعلى كل عشرة رجلا ، فقال : انظروا كل امرأة حامل في المدينة ، فإذا وضعت حملها فإن كان ذكرا فاذبحوه ، وإن كان أنثى فخلّوا عنها ، وذلك قوله : (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) قال : إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة. فقالت له الكهنة : إنه سيولد العام بمصر غلام هلاكك على يديه ، فبعث في أهل مصر نساء قوابل ، فإذا ولدت امرأة غلاما أتى به فرعون فقتله ، ويستحيي الجواري. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) يقول : نقمة. وأخرج وكيع عن