عن مجاهد في قوله : (أَوْفُوا بِعَهْدِي) قال : هو الميثاق الذي أخذه عليهم في سورة المائدة (لَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (١) لآية وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : أوفوا لي بما افترضت عليكم أوف لكم بما وعدتكم. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك نحوه. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قوله : (إِيَّايَ فَارْهَبُونِ) قال : فاخشون. وأخرج عبد بن حميد وابن جريج عن مجاهد في قوله : (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ) قال : القرآن (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) قال : التوراة والإنجيل. وأخرج ابن جريج عن ابن جرير في قوله : (أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) قال : بالقرآن. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية قال : يقول يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت على محمد مصدقا لما معكم ، لأنهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) أي أوّل من كفر بمحمد (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي) يقول : لا تأخذوا عليه أجرا ، قال : وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأوّل : يا ابن آدم علّم مجانا كما علّمت مجانا. وأخرج أبو الشيخ عنه قال : لا تأخذ على ما علّمت أجرا ، إنما أجر العلماء والحكماء والحلماء على الله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) قال : لا تخلطوا الصدق بالكذب (وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) قال : لا تكتموا الحق وأنتم قد علمتم أن محمدا رسول الله. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله : (وَلا تَلْبِسُوا) الآية ، قال : لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام (وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) قال : كتموا محمدا وهم يعلمون أنه رسول الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل. وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال : الحق : التوراة ، والباطل : الذي كتبوه بأيديهم.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦))
قد تقدم الكلام في تفسير إقامة الصلاة واشتقاقها ، والمراد هنا الصلاة المعهودة ، وهي صلاة المسلمين ، على أن التعريف للعهد ، ويجوز أن تكون للجنس ، ومثلها الزكاة. والإيتاء : الإعطاء ، يقال آتيته : أي أعطيته. والزكاة مأخوذة من الزكاء ، وهو النماء ، زكا الشيء : إذا نما وزاد ، ورجل زكي : أي زائد الخير ؛ وسمي إخراج جزء من المال زكاة : أي زيادة مع أنه نقص منه ، لأنها تكثر بركته بذلك ، أو تكثر أجر صاحبه ؛ وقيل : الزكاة مأخوذة من التطهير ، كما يقال : زكا فلان : أي طهر.
والظاهر أن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها قد نقلها الشرع إلى معان شرعية هي المرادة بما هو مذكور في الكتاب والسنة منها. وقد تكلّم أهل العلم على ذلك بما لا يتسع المقام لبسطه. وقد اختلف أهل العلم في المراد بالزكاة هنا ، فقيل : المراد المفروضة لاقترانها بالصلاة ، وقيل صدقة الفطر ، والظاهر أن المراد ما هو أعمّ من ذلك. والركوع في اللغة : الانحناء ، وكل منحن راكع ، قال لبيد :
أخبّر أخبار القرون التي مضت |
|
أدبّ كأنّي كلّما قمت راكع |
__________________
(١). المائدة : ١٢.