إذا ما الضّجيع ثنى جيدها |
|
تثنّت عليه فكانت لباسا |
وقول الأخطل :
وقد لبست لهذا الأمر أعصره |
|
حتى تجلّل رأسي الشيب فاشتعلا |
والأوّل أولى. والباطل في كلام العرب : الزائل ، ومنه قول لبيد :
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل (١)
وبطل الشيء يبطل بطولا وبطلانا ، وأبطله غيره. ويقال ذهب دمه بطلا : أي هدرا ، والباطل : الشيطان ؛ وسمي الشجاع بطلا لأنه يبطل شجاعة صاحبه ، والمراد به هنا خلاف الحق. والباء في قوله بالباطل يحتمل أن تكون صلة وأن تكون للاستعانة ذكر معناه في الكشاف ، ورجّح الرازي في تفسيره الثاني. وقوله : (وَتَكْتُمُوا) يجوز أن يكون داخلا تحت حكم النهي أو منصوبا بإضمار أن ، وعلى الأوّل يكون كل واحد من اللبس والكتم منهيا عنه ، وعلى الثاني يكون المنهي عنه هو الجمع بين الأمرين ، ومن هذا يلوح رجحان دخوله تحت حكم النهي ، وأن كل واحد منهما لا يجوز فعله على انفراده ، والمراد النهي عن كتم حجج الله التي أوجب عليهم تبليغها وأخذ عليهم بيانها ، ومن فسرّ اللبس أو الكتمان بشيء معين ، ومعنى خاص فلم يصب إن أراد أن ذلك هو المراد دون غيره ، لا إن أراد أنه مما يصدق عليه. وقوله : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة حالية ، وفيه أن كفرهم كفر عناد لا كفر جهل ، وذلك أغلظ للذنب وأوجب للعقوبة ، وهذا التقييد لا يفيد جواز اللبس والكتمان مع الجهل ، لأن الجاهل يجب عليه أن لا يقدم على شيء حتى يعلم بحكمه ، خصوصا في أمور الدين ، فإن التكلم فيها والتصدّي للإصدار والإيراد في أبوابها إنما أذن الله به لمن كان رأسا في العلم فردا في الفهم ، وما للجهال والدخول فيما ليس من شأنهم والقعود في غير مقاعدهم؟! وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) قال للأحبار من اليهود : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) أي بلائي عندكم وعند آبائكم ، لما كان نجّاهم به من فرعون وقومه (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) الذي أخذت في أعناقكم للنّبي صلىاللهعليهوسلم إذا جاءكم (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاءكم به وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم ، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله (أَوْفُوا بِعَهْدِي) يقول : ما أمرتكم به من طاعتي ونهيتكم عنه من معصيتي في النبي صلىاللهعليهوسلم وغيره (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) يقول : أرض عنكم وأدخلكم الجنة. وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود مثله. وأخرج ابن المنذر
__________________
(١). وتمامه : وكل نعيم لا محالة زائل.