عنها ، أي بسببها ، يعني الشجرة. وقيل الضمير للجنة ، وعلى هذا فالفعل مضمن معنى أبعدهما : أي أبعدهما عن الجنة. وقوله : (فَأَخْرَجَهُما) تأكيد لمضمون الجملة الأولى : أي أزلهما إن كان معناه زال عن المكان ، وإن لم يكن معناه كذلك فهو تأسيس ، لأن الإخراج فيه زيادة على مجرد الصرف والإبعاد ونحوهما ، لأن الصرف عن الشجرة والإبعاد عنها قد يكون مع البقاء في الجنة بخلاف الإخراج لهما عما كانا فيه من النعيم والكرامة أو من الجنة ، وإنما نسب ذلك إلى الشيطان لأنه الذي تولّى إغواء آدم حتى أكل من الشجرة. وقد اختلف أهل العلم في الكيفية التي فعلها الشيطان في إزلالهما ، فقيل : إنه كان ذلك بمشافهة منه لهما ، وإليه ذهب الجمهور واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (١) والمقاسمة ظاهرها المشافهة. وقيل لم يصدر منه إلا مجرد الوسوسة ؛ وقيل غير ذلك مما سيأتي في المروي عن السلف ، وقوله : (اهْبِطُوا) خطاب لآدم وحواء ، وخوطبا بما يخاطب به الجمع لأن الاثنين أقلّ الجمع عند البعض من أئمة العربية ؛ وقيل إنه خطاب لهما ولذريتهما ، لأنهما لما كانا أصل هذا النوع الإنساني جعلا بمنزلته ، ويدل على ذلك قوله (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) فإن هذه الجملة الواقعة حالا مبينا للهيئة الثابتة للمأمورين بالهبوط تفيد ذلك. والعدوّ خلاف الصديق ، وهو من عدا إذا ظلم ؛ ويقال ذئب عدوان : أي يعدو على الناس ، والعدوان : الظلم الصراح وقيل إنه مأخوذ من المجاوزة ، يقال عداه : والمعنيان متقاربان ، فإن من ظلم فقد تجاوز. وإنما أخبر عن قوله (بَعْضُكُمْ) بقوله : (عَدُوٌّ) مع كونه مفردا ، لأن لفظ بعض وإن كان معناه محتملا للتعدد فهو مفرد ، فروعي جانب اللفظ وأخبر عنه بالمفرد ، وقد يراعى المعنى فيخبر عنه بالمتعدد. وقد يجاب بأن (عَدُوٌّ) وإن كان مفردا فقد يقع موقع المتعدد كقوله تعالى : (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) (٢) وقوله : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ) (٣) قال ابن فارس : العدوّ اسم جامع للواحد والاثنين والثلاثة. والمراد بالمستقرّ : موضع الاستقرار ، ومنه (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) (٤) وقد يكون بمعنى الاستقرار ، ومنه : (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) (٥) فالآية محتملة للمعنيين ، ومثلها قوله : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً) (٦) والمتاع : ما يستمتع به من المأكول والمشروب والملبوس ونحوها. واختلف المفسرون في قوله : (إِلى حِينٍ) فقيل : إلى الموت ؛ وقيل : إلى قيام الساعة. وأصل معنى الحين في اللغة : الوقت البعيد ، ومنه : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) (٧) والحين الساعة ، ومنه : (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ) (٨) والقطعة من الدهر ، ومنه : (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) (٩) أي حتى تفنى آجالهم ، ويطلق على السنة ؛ وقيل على ستة أشهر ، ومنه : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) (١٠) ويطلق على المساء والصباح ، ومنه : (حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (١١) وقال الفراء : الحين حينان : حين لا يوقف على حده ، ثم ذكر الحين الآخر واختلافه بحسب اختلاف المقامات كما ذكرنا. وقال ابن العربي : الحين المجهول لا يتعلق به حكم ، والحين المعلوم سنة. ومعنى تلقي آدم للكلمات : أخذه لها وقبوله لما فيها وعمله بها ؛ وقبل فهمه لها وفطانته لما تضمنته. وأصل معنى التلقي الاستقبال : أي استقبل الكلمات الموحاة إليه ومن قرأ بنصب (آدَمُ) جعل معناه استقبلته الكلمات. وقيل إن معنى تلقّى :
__________________
(١). الأعراف : ٢١.
(٢). الكهف : ٥٠.
(٣). المنافقون : ٤.
(٤). الفرقان : ٢٤.
(٥). القيامة : ١٢.
(٦). غافر : ٦٤.
(٧). الإنسان : ١.
(٨). الزمر : ٥٨.
(٩). المؤمنون : ٥٤.
(١٠). إبراهيم : ٢٥.
(١١) الروم : ١٧.