بعضهم بعضا» وقيل : إنه سبحانه لا يجعل للكافرين سبيلا على المؤمنين ما داموا عاملين بالحق غير راضين بالباطل ولا تاركين للنهي عن المنكر كما قال تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (١) قال ابن العربي : وهذا نفيس جدا ؛ وقيل : إن الله لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا شرعا ، فإن وجد فبخلاف الشرع. هذا خلاصة ما قاله أهل العلم في هذه الآية ، وهي صالحة للاحتجاج بها على كثير من المسائل.
وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) الآية ، قال : هم اليهود والنصارى ، آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت ، وآمنت النصارى بالإنجيل ثم كفرت. وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير عنه في الآية قال : هؤلاء اليهود آمنوا بالتوراة ثم كفروا ، ثم ذكر النصارى فقال : (ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) يقول : آمنوا بالإنجيل ثم كفروا ، (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) بمحمد صلىاللهعليهوسلم. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : هؤلاء المنافقون آمنوا مرتين ، ثم كفروا مرتين ، ثم ازدادوا كفرا بعد ذلك. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) قال : تموا على كفرهم حتى ماتوا. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن أبي وائل قال : إن الرجل ليتكلم في المجلس بالكلمة من الكذب ليضحك بها جلساءه فيسخط الله عليهم جميعا ، فذكروا ذلك لإبراهيم النخعي ، فقال : صدق أبو وائل ، أو ليس ذلك في كتاب الله؟ (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ). وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : أنزل في سورة الأنعام : (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) (٢) ثم نزل التشديد في سورة النساء : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ). وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير : أن الله جامع المنافقين من أهل المدينة والكافرين من أهل مكة الذين خاضوا واستهزءوا بالقرآن في جهنم جميعا. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) قال : هم المنافقون يتربصون بالمؤمنين (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ) إن أصاب المسلمين من عدوّهم غنيمة قال المنافقون : (أَلَمْ نَكُنْ) قد كنا (مَعَكُمْ) فأعطونا من الغنيمة مثل ما تأخذون (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ) يصيبونه من المسلمين قال المنافقون للكفار : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) ألم نبين لكم أنا على ما أنتم عليه ، قد كنا نثبطهم عنكم. وأخرج ابن جرير عن السدّي : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) قال : نغلب عليكم. وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، ابن المنذر ، والبيهقي في الشعب ، والحاكم ، وصححه عن عليّ أنه قيل له : أرأيت هذه الآية (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) وهم يقاتلوننا فيظهرون ويقتلون ، فقال : ادنه ادنه ، ثم قال : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً). وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال : في الآخرة. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس نحوه. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن أبي مالك نحوه أيضا ـ وأخرج ابن جرير عن السدّيّ (سَبِيلاً) قال : حجة.
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً
__________________
(١). الشورى : ٣٠.
(٢). الأنعام : ٦٨.