يمشيان إذا أضاء لهم البرق ، وإذا أظلم عليهم قاموا فكانوا إذا هلكت أموالهم وأولادهم وأصابهم البلاء قالوا : هذا من أجل دين محمد صلىاللهعليهوسلم ، وارتدوا كفارا كما قام المنافقان حين أظلم البرق عليهما.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : (أَوْ كَصَيِّبٍ) قال : هو المطر وهو مثل للمنافق في ضوئه يتكلم بما معه من كتاب الله مراءاة الناس ، فإذا خلا وحده عمل بغيره فهو في ظلمة ما أقام على ذلك. وأما الظلمات : فالضلالات. وأما البرق : فالإيمان ، وهم أهل الكتاب ، وإذا أظلم عليهم : فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا نحو ما سلف. وقد روي تفسيره بنحو ذلك عن جماعة من التابعين.
واعلم أن المنافقين أصناف ، فمنهم من يظهر الإسلام ويبطن الكفر ، ومنهم من قال فيه النبيّ صلىاللهعليهوسلم كما ثبت في الصحيحين وغيرهما : «ثلاث من كنّ فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه واحدة منهنّ كان فيه خصلة من النّفاق حتى يدعها : من إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان» وورد بلفظ أربع وزاد «وإذا خاصم فجر». وورد بلفظ «وإذا عاهد غدر». وقد ذكر ابن جرير ومن تبعه من المفسرين أن هذين المثلين لصنف واحد من المنافقين.
لما فرغ سبحانه من ذكر المؤمنين والكافرين والمنافقين أقبل عليهم بالخطاب التفاتا للنكتة السابقة في الفاتحة ، ويا : حرف نداء ، والمنادى أيّ ، وهو اسم مفرد مبني على الضم ؛ وها حرف تنبيه مقحم بين المنادى وصفته. قال سيبويه : كأنك كرّرت : «يا» مرتين ، وصار الاسم بينهما كما قالوا : ها هو ذا. وقد تقدّم الكلام في تفسير الناس والعبادة. وإنما خصّ نعمة الخلق وامتنّ بها عليهم ، لأن جميع النعم مترتبة عليها. وهي أصلها الذي لا يوجد شيء منها بدونها. وأيضا فالكفار مقرّون بأن الله هو الخالق (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (١) فامتنّ عليهم بما يعترفون به ولا ينكرونه. وفي أصل معنى الخلق وجهان : أحدهما التقدير. يقال خلقت الأديم للسقاء : إذا قدّرته قبل القطع. قال زهير :
ولأنت تفري ما خلقت وبع |
|
ض القوم يخلق ثمّ لا يفري |
الثاني : الإنشاء والاختراع والإبداع. ولعل : أصلها الترجّي والطمع والتوقع والإشفاق ، وذلك مستحيل على الله سبحانه ، ولكنه لما كانت المخاطبة منه سبحانه للبشر كانت بمنزلة قوله لهم : افعلوا ذلك على الرجاء منكم والطمع ، وبهذا قال جماعة من أئمة العربية منهم سيبويه. وقيل : إن العرب استعملت لعل مجردة من الشك بمعنى لام كي. والمعنى هنا : لتتقوا ، وكذلك ما وقع هذا الموقع ، ومنه قول الشاعر :
__________________
(١). الزخرف : ٨٧.