جُرُزاً) (١) أي : أرضا غليظة لا تنبت شيئا ، وقال تعالى : (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) (٢) وقال ذو الرمة :
كأنّه بالضّحى تزمي الصّعيد به |
|
دبّابة في عظام الرّأس خرطوم (٣) |
وإنما سمى صعيدا لأنه نهاية ما يصعد إليه من الأرض ، وجمع الصعيد : صعدات.
وقد اختلف أهل العلم فيما يجزئ التيمم به ، فقال مالك ، وأبو حنيفة ، والثوري ، والطبري : إنه يجزئ بوجه الأرض كله ترابا كان أو رملا أو حجارة ، وحملوا قوله : (طَيِّباً) على الطاهر الذي ليس بنجس. وقال الشافعي ، وأحمد ، وأصحابهما : إنه لا يجزئ التيمم إلا بالتراب فقط ، واستدلوا بقوله تعالى : (صَعِيداً زَلَقاً) أي : ترابا أملس طيبا ، وكذلك استدلوا بقوله : (طَيِّباً) قالوا : والطيب : التراب الذي ينبت. وقد تنوزع في معنى الطيب ، فقيل : الطاهر كما تقدم ؛ وقيل : المنبت كما هنا ؛ وقيل : الحلال. والمحتمل لا تقوم به حجة ولو لم يوجد في الشيء الذي يتيمم به إلا ما في الكتاب العزيز ، لكان الحق ما قاله الأوّلون ، لكن ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فضلنا الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلّها مسجدا ، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء» وفي لفظ : «وجعل ترابها لنا طهورا» فهذا مبين لمعنى الصعيد المذكور في الآية ، أو مخصص لعمومه ، أو مقيد لإطلاقه ، ويؤيد هذا ما حكاه ابن فارس عن كتاب الخليل : تيمم بالصعيد ، أي : أخذ من غباره. انتهى ، والحجر الصلد لا غبار له. قوله : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) هذا المسح مطلق ، يتناول المسح بضربة أو ضربتين ، ويتناول المسح إلى المرفقين ، أو إلى الرسغين ، وقد بينته السنة بيانا شافيا ، وقد جمعنا بين ما ورد في المسح بضربة وبضربتين ، وما ورد في المسح إلى الرسغ وإلى المرفقين ، في شرحنا للمنتقى وغيره من مؤلفاتنا بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره. قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) أي : عفا عنكم وغفر لكم تقصيركم ، ورحمكم بالترخيص لكم والتوسعة عليكم.
وقد أخرج عبد بن حميد ، وأبو داود ، والترمذي ، وحسنه ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وصححه ، والضياء في المختارة عن عليّ بن أبي طالب قال : صنع لنا عبد الرحمن ابن عوف طعاما ، فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا ، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت : قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه : أن الذي صلّى به عبد الرحمن. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في الآية قال : نزلت في أبي بكر ، وعمر ، وعليّ ، وعبد الرحمن بن ابن عوف طعاما ، فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا ، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت :
__________________
(١). الكهف : ٨.
(٢). الكهف : ٤٠.
(٣). الصّعيد : التراب ، والدبّابة : الخمر. والخرطوم : الخمر وصفوتها. يقول : ولد الظبية لا يرفع رأسه ، وكأنه رجل سكران من ثقل نومه في وقت الضحى.