(أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) كما قال بعض المفسرين كان فيه إشكال ، وهو أن من صدق عليه اسم المريض أو المسافر جاز له التيمم ، وإن كان واجدا للماء قادرا على استعماله ، وقد قيل : إنه رجع هذا القيد إلى الآخرين مع كونه معتبرا في الأوّلين لندرة وقوعه فيهما. وأنت خبير بأن هذا كلام ساقط وتوجيه بارد. وقال مالك ومن تابعه : ذكر الله المرض والسفر في شرط التيمم اعتبارا بالأغلب في من لم يجد الماء بخلاف الحاضر ، فإن الغالب وجوده ، فلذلك لم ينص الله سبحانه عليه. انتهى. والظاهر أن المرض بمجرّده مسوّغ للتيمم ، وإن كان الماء موجودا إذا كان يتضرّر باستعماله في الحال أو في المآل ، ولا تعتبر خشية التلف ، فالله سبحانه يقول : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) (١) ويقول : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢) ، والنبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «الدين يسر» ويقول : «يسّروا ولا تعسّروا» وقال : «قتلوه قتلهم الله» ويقول : «أمرت بالشريعة السّمحة» فإذا قلنا : إن قيد عدم وجود الماء راجع إلى الجميع ، كان وجه التنصيص على المرض : هو أنه يجوز له التيمم والماء حاضر موجود إذا كان استعماله يضرّه ، فيكون اعتبار ذلك القيد في حقه إذا كان استعماله لا يضرّه ، فإن في مجرّد المرض مع عدم الضرر باستعمال الماء ما يكون مظنة لعجزه عن الطلب ، لأنه يلحقه بالمرض نوع ضعف. وأما وجه التنصيص على المسافر فلا شك أن الضرب في الأرض مظنة لإعواز الماء في بعض البقاع دون بعض. قوله : (فَتَيَمَّمُوا) التيمم لغة : القصد ، يقال : تيممت الشيء : قصدته ، وتيممت الصعيد : تعمدته ، وتيممته بسهمي ورمحي : قصدته دون من سواه ، وأنشد الخليل :
يمّمته الرّمح شزرا ثمّ قلت له |
|
هذي البسالة لا لعب الزّحاليق |
وقال امرؤ القيس :
تيمّمتها من أذرعات وأهلها |
|
بيثرب أدنى دارها نظر عالي |
وقال :
تيمّمت العين التي عند ضارج |
|
يفيء عليها الظّلّ عرمضها طامي (٣) |
قال ابن السكيت : قوله : (فَتَيَمَّمُوا) أي : اقصدوا ، ثم كثر استعمال هذه الكلمة حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب. وقال ابن الأنباري في قولهم قد تيمم الرجل : معناه : قد مسح التراب على وجهه ، وهذا خلط منهما للمعنى اللغوي بالمعنى الشرعي ، فإن العرب لا تعرف التيمم بمعنى مسح الوجه واليدين ، وإنما هو معنى شرعي فقط ، وظاهر الأمر الوجوب ، وهو مجمع على ذلك. والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، وتفاصيل التيمم وصفاته مبينة في السنة المطهرة ، ومقالات أهل العلم مدوّنة في كتب الفقه ، قوله : (صَعِيداً) الصعيد : وجه الأرض سواء كان عليه تراب أو لم يكن ، قاله الخليل ، وابن الأعرابي ، والزجاج. قال الزجاج : لا أعلم فيه خلافا بين أهل اللغة ، قال الله تعالى : (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً
__________________
(١). البقرة : ١٨٥.
(٢). الحج : ٧٨.
(٣). ضارج اسم موضع. والعرمض : الطحلب ، وقيل : الخضرة على الماء. وطامي : مرتفع.