أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال : نعم ، إنّي أحبّ أن أسمعه من غيري ، فقرأت سورة النساء حتّى أتيت إلى هذه الآية (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) قال : حسبك الآن فإذا عيناه تذرقان». وأخرجه الحاكم ، وصححه من حديث عمرو بن حريث. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) يعني : أن تسوّى الأرض بالجبال عليهم ، وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية : يقول : ودّوا لو انخرقت بهم الأرض فساخوا فيها. وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) قال : بجوارحهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣))
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) جعل الخطاب خاصا بالمؤمنين ، لأنهم كانوا يقربون الصلاة حال السكر ، وأما الكفار : فهم لا يقربونها سكارى ولا غير سكارى. قوله : (لا تَقْرَبُوا) قال أهل اللغة : إذا قيل لا تقرب بفتح الراء معناه : لا تدن منه. والمراد هنا : النهي عن التلبس بالصلاة وغشيانها. وبه قال جماعة من المفسرين ، وإليه ذهب أبو حنيفة ، وقال آخرون : المراد مواضع الصلاة ، وبه قال الشافعي. وعلى هذا فلا بدّ من تقدير مضاف ، ويقوي هذا قوله : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) وقالت طائفة : المراد : الصلاة ومواضعها معا ، لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة ، ولا يصلون إلا مجتمعين ، فكانا متلازمين. قوله : (وَأَنْتُمْ سُكارى) الجملة في محل نصب على الحال ، وسكارى : جمع سكران ، مثل : كسالى جمع كسلان. وقرأ النخعي : سكارى بفتح السين ، وهو تكسير سكران : وقرأ الأعمش : (سُكارى) كحبلى ، صفة مفردة. وقد ذهب العلماء كافة إلى أن المراد بالسكر هنا : سكر الخمر ، إلا الضحاك فإنه قال : المراد : سكر النوم. وسيأتي بيان سبب نزول الآية ، وبه يندفع ما يخالف الصواب من هذه الأقوال. قوله : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) هذا غاية النهي عن قربان الصلاة في حال السكر ، أي : حتى يزول عنكم أثر السكر وتعلموا ما تقولونه ، فإن السكران لا يعلم ما يقوله ، وقد تمسك بهذا من قال : إن طلاق السكران لا يقع ، لأنه إذا لم يعلم ما يقوله انتفى القصد. وبه قال عثمان بن عفان ، وابن عباس ، وطاوس ، وعطاء ، والقاسم ، وربيعة ، وهو قول الليث بن سعد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، والمزني. واختاره الطحاوي وقال : أجمع العلماء على أن طلاق المعتوه لا يجوز ، والسكران معتوه كالموسوس. وأجازت طائفة وقوع طلاقه ، وهو محكي عن عمر بن الخطاب ، ومعاوية ، وجماعة من التابعين ، وهو قول أبي حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي. واختلف قول الشافعي في ذلك. وقال مالك : يلزمه الطلاق ، والقود في الجراح ، والقتل ،