يبخسهم من ثواب أعمالهم ، ولا يزيد في عقاب ذنوبهم وزن ذرّة فضلا عما فوقها. قوله : (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) قرأ أهل الحجاز : حسنة بالرفع. وقرأ من عداهم : بالنصب ؛ والمعنى على القراءة الأولى : إن توجد حسنة ، على أنّ كان هي التامة لا الناقصة ؛ وعلى القراءة الثانية : إن تك فعلته حسنة يضاعفها ؛ وقيل : إن التقدير : إن تك مثقال الذرّة حسنة ، وأنت ضمير المثقال لكونه مضافا إلى المؤنث ، والأوّل أولى. وقرأ الحسن : نضاعفها بالنون ، وقرأ الباقون : بالياء ، وهي الأرجح لقوله : (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) وقد تقدّم الكلام في المضاعفة ، والمراد : مضاعفة ثواب الحسنة ، قوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) كيف : منصوبة بفعل مضمر ، كما هو رأي سيبويه ، أو محلها : رفع على الابتداء ، كما هو رأي غيره ، والإشارة بقوله : (هؤُلاءِ) إلى الكفار ، وقيل : إلى كفار قريش خاصة. والمعنى : فكيف يكون حال هؤلاء الكفار يوم القيامة إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا؟ وهذا الاستفهام معناه : التوبيخ والتقريع (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) قرأ نافع وابن عامر : (تُسَوَّى) بفتح التاء وتشديد السين ، وقرأ حمزة والكسائي : بفتح التاء وتخفيف السين ، وقرأ الباقون : بضم التاء وتخفيف السين. والمعنى على القراءة الأولى والثانية : أن الأرض هي التي تسوّى بهم ، أي : أنهم تمنوا لو انفتحت لهم الأرض فساخوا فيها ؛ وقيل : الباء في قوله : (بِهِمُ) بمعنى على ، أي : تسوّى عليهم الأرض. وعلى القراءة الثالثة : الفعل مبنيّ للمفعول ، أي : لو سوّى الله بهم الأرض فيجعلهم والأرض سواء حتى لا يبعثوا. قوله : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) عطف على (يَوَدُّ) أي : يومئذ يودّ الذين كفروا ، ويومئذ لا يكتمون الله حديثا ، ولا يقدرون على ذلك. قال الزجاج : قال بعضهم (لا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) مستأنف ، لأن ما عملوه ظاهر عند الله لا يقدرون على كتمانه. وقال بعضهم : هو معطوف. والمعنى : يودّون أن الأرض سوّيت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثا لأنه ظهر كذبهم.
وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان كردم بن يزيد حليف كعب بن الأشرف ، وأسامة بن حبيب ، ونافع بن أبي نافع ، وبحري بن عمرو ، وحيي بن أخطب ، ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار ينتصحون لهم فيقولون : لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ، ولا تسارعوا النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون؟ فأنزل الله فيهم : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) إلى قوله : (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً). وقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنها نزلت في اليهود. وأخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد. وأخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير. وأخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن قتادة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن ابن عباس : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) قال : رأس نملة حمراء. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (إِنْ تَكُ حَسَنَةً) وزن ذرة ، زادت على سيئاته (يُضاعِفْها) فأما المشرك فيخفف به عنه العذاب ولا يخرج من النار أبدا.
وأخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اقرأ عليّ قلت : يا رسول الله!