في المدينة جوارا. وأما الأعراف في مسمى الجوار فهي تختلف باختلاف أهلها ، ولا يصح حمل القرآن على أعراف متعارفة واصطلاحات متواضعة. قوله : (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) قيل : هو الرفيق في السفر ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومجاهد ، والضحاك. وقال علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وابن أبي ليلى : هو الزوجة. وقال ابن جريج : هو الذي يصحبك ويلزمك رجاء نفعك. ولا يبعد أن تتناول الآية جميع ما في هذه الأقوال مع زيادة عليها ، وهو كل من صدق عليه أنه صاحب بالجنب ، أي : بجنبك ، كمن يقف بجنبك في تحصيل علم أو تعلم صناعة أو مباشرة تجارة أو نحو ذلك. قوله : (وَابْنِ السَّبِيلِ) قال مجاهد : هو الذي يجتاز بك مارا ، والسبيل : الطريق ، فنسب المسافر إليه لمروره عليه ولزومه إياه ، فالأولى تفسيره بمن هو على سفر ، فإن على المقيم أن يحسن إليه ؛ وقيل : هو المنقطع به ؛ وقيل : هو الضعيف. قوله : (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي : وأحسنوا إلى ما ملكت أيمانكم إحسانا ، وهم العبيد والإماء ، وقد أمر النبي صلىاللهعليهوسلم : بأنهم يطعمون مما يطعم مالكهم ، ويلبسون مما يلبس. والمختال : ذو الخيلاء ، وهو الكبر والتيه ، أي : لا يحب من كان متكبرا تائها على الناس مفتخرا عليهم. والفخر : المدح للنفس ، والتطاول ، وتعديد المناقب ، وخص هاتين الصفتين لأنهما يحملان صاحبهما على الأنفة مما ندب الله إليه في هذه الآية.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في شعب الإيمان من طرق عن ابن عباس في قوله : (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) يعني : الذي بينك وبينه قرابة (وَالْجارِ الْجُنُبِ) يعني : الذي ليس بينك وبينه قرابة. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن نوف البكالي قال : الجار ذي القربى : المسلم ، والجار الجنب : اليهودي والنصراني. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله : (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) قال : الرفيق في السفر. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير ومجاهد مثله. وأخرج الحكيم ، والترمذي في نوادر الأصول ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) قال : هو جليسك في الحضر ، ورفيقك في السفر ، وامرأتك التي تضاجعك. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن عليّ قال : هو المرأة. وأخرج هؤلاء ، والطبراني عن ابن مسعود مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) قال : مما خوّلك الله فأحسن صحبته ؛ كل هذا أوصى به. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل نحوه ، وقد ورد مرفوعا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في برّ الوالدين ، وفي صلة القرابة ، وفي الإحسان إلى اليتامى ، وفي الإحسان إلى الجار ، وفي القيام بما يحتاجه المماليك ، أحاديث كثيرة قد اشتملت عليها كتب السنة لا حاجة بنا إلى بسطها هنا ، وهكذا ورد في ذم الكبر والاختيال والفخر ما هو معروف.
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨) وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا