الْقُرْبى) أي : صاحب القرابة ، وهو من يصح إطلاق اسم القربى عليه ، وإن كان بعيدا. (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) : قد تقدّم تفسيرهم ، والمعنى : وأحسنوا بذي القربى إلى آخر ما هو مذكور في هذه الآية (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) أي : القريب جواره ؛ وقيل : هو من له مع الجوار في الدار قرب في النسب (وَالْجارِ الْجُنُبِ) : المجانب ، وهو مقابل للجار ذي القربى ، والمراد : من يصدق عليه مسمى الجوار مع كون داره بعيدة ، وفي ذلك دليل على تعميم الجيران بالإحسان إليهم ، سواء كانت الديار متقاربة أو متباعدة ، وعلى أن الجوار حرمة مرعية مأمور بها. وفيه ردّ على من يظن أن الجار مختص بالملاصق دون من بينه وبينه حائل ، أو مختص بالقريب دون البعيد ؛ وقيل : إن المراد بالجار الجنب هنا : هو الغريب ؛ وقيل : هو الأجنبي الذي لا قرابة بينه وبين المجاور له. وقرأ الأعمش ، والمفضل : (وَالْجارِ الْجُنُبِ) بفتح الجيم وسكون النون ، أي : ذي الجنب ، وهو الناحية ، وأنشد الأخفش :
النّاس جنب والأمير جنب (١)
وقيل : المراد بالجار ذي القربى : المسلم ، وبالجار الجنب : اليهودي والنصراني.
وقد اختلف أهل العلم في المقدار الذي يصدق عليه مسمى الجوار ويثبت لصاحبه الحق ، فروي عن الأوزاعي والحسن : أنه إلى حدّ أربعين دارا من كل ناحية ، وروي عن الزهري نحوه ؛ وقيل : من سمع إقامة الصلاة ؛ وقيل : إذا جمعتهما محلة ؛ وقيل : من سمع النداء. والأولى أن يرجع في معنى الجار إلى الشرع ، فإن وجد فيه ما يقتضي بيانه وأنه يكون جارا إلى حد كذا من الدور ، أو من مسافة الأرض ، كان العمل عليه متعينا ، وإن لم يوجد رجع إلى معناه لغة أو عرفا. ولم يأت في الشرع ما يفيد أن الجار هو الذي بينه وبين جاره مقدار كذا ، ولا ورد في لغة العرب أيضا ما يفيد ذلك ، بل المراد بالجار في اللغة : المجاور ، ويطلق على معان. قال في القاموس : والجار : المجاور ، والذي أجرته من أن يظلم ، والمجير ، والمستجير ، والشريك في التجارة ، وزوج المرأة ، وهي جارته ، وفرج المرأة ، وما قرب من المنازل ، والاست ، كالجارة ، والقاسم ، والحليف ، والناصر. انتهى. قال القرطبي في تفسيره : وروي «أن رجلا جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إنّي نزلت محلة قوم ، وإن أقربهم إليّ جوارا أشدّهم لي أذى ، فبعث النبيّ صلىاللهعليهوسلم أبا بكر ، وعمر ، وعليا يصيحون على أبواب المساجد : ألا إن أربعين دارا جار ، ولا يدخل الجنّة من لا يأمن جاره بوائقه». انتهى. ولو ثبت هذا لكان مغنيا عن غيره ، ولكنه رواه كما ترى من غير عزو له إلى أحد كتب الحديث المعروفة ، وهو وإن كان إماما في علم الرواية ، فلا تقوم الحجة بما يرويه بغير سند مذكور ولا نقل عن كتاب مشهور ، ولا سيما وهو يذكر الواهيات كثيرا ، كما يفعل في تذكرته ، وقد ورد في القرآن : ما يدل على أن المساكنة في مدينة مجاورة ، قال الله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) إلى قوله : (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) (٢) فجعل اجتماعهم
__________________
(١). كأن الأمير عدل بجميع الناس.
(٢). الأحزاب : ٦٠.