سبعمائة أقرب منها إلى سبع ، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ، ولا صغيرة مع إصرار. وأخرج البيهقي في الشعب عنه : كل ذنب أصر عليه العبد كبيرة ، وليس بكبيرة ما تاب عنه العبد. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اجتنبوا السّبع الموبقات ، قالوا : وما هي يا رسول الله؟ قال : الشّرك بالله ، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق ، والسّحر ، وأكل الرّبا ، وأكل مال اليتيم ، والتّولي يوم الزّحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات». وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي بكرة قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا : بلى يا رسول الله! قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وكان متّكئا فجلس فقال : ألا وقول الزّور ، وشهادة الزور ، فما زال يكرّرها حتى قلنا : ليته سكت». وأخرج البخاري وغيره عن ابن عمرو عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، أو قتل النّفس ـ شكّ شعبة ـ واليمين الغموس». وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ، قالوا : وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال : يسبّ أبا الرجل فيسب أباه ويسبّ أمه فيسبّ أمه». والأحاديث في تعداد الكبائر وتعيينها كثيرة جدا ، فمن رام الوقوف على ما ورد في ذلك ، فعليه بكتاب الزواجر في الكبائر ، فإنه قد جمع فأوعى.
واعلم أنه لا بد من تقييد ما في هذه الآية من تكفير السيئات بمجرد اجتناب الكبائر بما أخرجه النسائي ، وابن ماجة ، وابن جرير ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في سننه عن أبي هريرة وأبي سعيد : أن النبي صلىاللهعليهوسلم جلس على المنبر ثم قال : «والذي نفسي بيده ما من عبد يصلّي الصّلوات الخمس ويصوم رمضان ويؤدي الزكاة ويجتنب الكبائر السبع ، إلّا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة حتّى إنّها لتصفّق ، ثم تلا : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ). وأخرج أبو عبيد في فضائله ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، والحاكم ، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : إن في سورة النساء خمس آيات ما يسرّني أن لي بها الدنيا وما فيها ، ولقد علمت أن العلماء إذا مرّوا بها يعرفونها ، قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) الآية ، وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (١) الآية ، وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) (٢) الآية ، وقوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ) (٣) الآية ، وقوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) (٤) الآية.
(وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢) وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣) الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ
__________________
(١). النساء : ٤٠.
(٢). النساء : ٤٨ و ١١٦.
(٣). النساء : ٦٤.
(٤). النساء : ١١٠.