أن تعضلوا أزواجكم : أي تحبسوهن عندكم مع عدم رغوبكم (١) فيهنّ ، بل لقصد أن تذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ من المهر ، يفتدين به من الحبس والبقاء تحتكم ، وفي عقدتكم مع كراهتكم لهنّ (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) جاز لكم مخالعتهن ببعض ما آتيتموهنّ. قوله : (مُبَيِّنَةٍ) قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحفص وحمزة ، والكسائي : بكسر الياء. وقرأ الباقون : بفتحها. وقرأ ابن عباس : (مُبَيِّنَةٍ) بكسر الباء وسكون الياء ، من أبان الشيء فهو مبين. قوله : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي : بما هو معروف في هذه الشريعة وبين أهلها من حسن المعاشرة ، وهو خطاب للأزواج أو لما هو أعم ، وذلك يختلف باختلاف الأزواج في الغنى ، والفقر ، والرفاعة ، والوضاعة (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَ) لسبب من الأسباب من غير ارتكاب فاحشة ولا نشوز (فَعَسى) أن يؤول الأمر إلى ما تحبونه من ذهاب الكراهة وتبدلها بالمحبة ، فيكون في ذلك خير كثير من استدامة الصحبة وحصول الأولاد ، فيكون الجزاء على هذا محذوفا مدلولا عليه بعلته ، أي : فإن كرهتموهنّ فاصبروا (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (٢). قوله : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) قد تقدم بيانه في آل عمران ، والمراد به هنا : المال الكثير ، فلا تأخذوا منه شيئا. قيل : هي محكمة ؛ وقيل : هي منسوخة بقوله تعالى في سورة البقرة : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) (٣) والأولى : أن الكل محكم ، والمراد هنا : غير المختلعة لا يحل لزوجها أن يأخذ مما آتاها شيئا. قوله : (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الاستفهام للإنكار والتقريع. والجملة مقررة للجملة الأولى المشتملة على النهي. وقوله : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) إنكار بعد إنكار مشتمل على العلة التي تقتضي منع الأخذ : وهي الإفضاء. قال الهروي : وهو إذا كانا في لحاف واحد ، جامع أو لم يجامع ، وقال الفراء : الإفضاء : أن يخلو الرجل والمرأة وإن لم يجامعها. وقال ابن عباس ومجاهد والسدي : الإفضاء في هذه الآية : الجماع ، وأصل الإفضاء في اللغة المخالطة ، يقال للشيء المختلط : فضاء ، ويقال : القوم فوضى وفضاء ، أي : مختلطون لا أمير عليهم. قوله : (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) معطوف على الجملة التي قبله ، أي : والحال أن قد أفضى بعضكم إلى بعض ، وقد أخذن منكم ميثاقا غليظا وهو عقد النكاح ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله» وقيل : هو قوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) (٤) وقيل : هو الأولاد. قوله : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) نهي عما كانت عليه الجاهلية من نكاح نساء آبائهم إذا ماتوا ، وهو شروع في بيان من يحرم نكاحه من النساء ومن لا يحرم. ثم بين سبحانه وجه النهي عنه فقال : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) هذه الصفات الثلاث تدل : على أنه من أشدّ المحرمات وأقبحها ، وقد كانت الجاهلية تسميه نكاح المقت. قال ثعلب : سألت ابن الأعرابي عن نكاح المقت فقال : هو أن يتزوج الرجل امرأة أبيه إذا طلقها ، أو مات عنها ، ويقال لهذا : الضيزن ، وأصل
__________________
(١). الأولى أن يقول : عدم رغبتكم فيهن ، حيث لم نجد هذا المصدر «رغوب» فيما راجعناه من معاجم اللغة ، انظر مصادر فعل «رغب» في لسان العرب وتاج العروس وغيرهما.
(٢). البقرة : ٢٢٩.