الثلثان ، هكذا احتج بهذه الحجة إسماعيل بن عياش والمبرد. قال النحاس : وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط ، لأن الاختلاف في البنتين إذا انفردتا عن البنين ، وأيضا للمخالف أن يقول إذا ترك بنتين وابنا فللبنتين النصف ، فهذا دليل على أن هذا فرضهما ، ويمكن تأييد ما احتج به الجمهور : بأن الله سبحانه لما فرض للبنت الواحدة إذا انفردت النصف بقوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) كان فرض البنتين إذا انفردتا فوق فرض الواحدة ، وأوجب القياس على الأختين الاقتصار للبنتين على الثلثين. وقيل : إن : فوق ، زائدة ، والمعنى : وإن كنّ نساء اثنتين كقوله تعالى : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) (١) أي : الأعناق ، ورد هذا النحاس ، وابن عطية فقالا : هو خطأ ، لأن الظروف وجميع الأسماء لا تجوز في كلام العرب أن تزاد لغير معنى. قال ابن عطية : ولأن قوله : (فَوْقَ الْأَعْناقِ) هو الفصيح ، وليست فوق زائدة ، بل هي محكمة المعنى ، لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ ، كما قال دريد بن الصمة : اخفض عن الدماغ ، وارفع عن العظم ، فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال. انتهى. وأيضا : لو كان لفظ فوق زائدا كما قالوا : لقال : فلهما ثلثا ما ترك ، ولم يقل : فلهن ثلثا ما ترك ، وأوضح ما يحتج به للجمهور : ما أخرجه ابن أبي شيبة ، وأحمد وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي في سننه عن جابر قال : جاءت امرأة سعد بن الربيع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا رسول الله! هاتان ابنتا سعد بن الربيع ، قتل أبوهما معك في أحد شهيدا ، وإن عمهما أخذ مالهما ، فلم يدع لهما مالا ، ولا تنكحان إلّا ولهما مال ، فقال : يقضي الله في ذلك ، فنزلت آية الميراث : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) الآية ، فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى عمهما فقال : أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك ، أخرجوه من طرق عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال الترمذي : ولا يعرف إلّا من حديثه. قوله : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) قرأ نافع ، وأهل المدينة : «واحدة» بالرفع ، على أن : كان ، تامة بمعنى : فإن وجدت واحدة أو حدثت واحدة. وقرأ الباقون : بالنصب ، قال النحاس : وهذه قراءة حسنة ، أي : وإن كانت المتروكة أو المولودة واحدة. قوله : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) أي : لأبوي الميت ، وهو كناية عن غير مذكور ، وجاز ذلك لدلالة الكلام عليه و (فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) بدل من قوله : (وَلِأَبَوَيْهِ) بتكرير العامل للتأكيد والتفصيل. وقرأ الحسن ، ونعيم بن ميسرة «السدس» بسكون الدال ، وكذلك قرءا : الثلث ، والربع إلى العشر : بالسكون ، وهي لغة بني تميم وربيعة ، وقرأ الجمهور : بالتحريك ضما ، وهي لغة أهل الحجاز وبني أسد في جميعها. والمراد بالأبوين : الأب والأم ، والتثنية على لفظ الأب : للتغليب.
وقد اختلف العلماء في الجد : هل هو بمنزلة الأب فتسقط به الأخوة أم لا؟ فذهب أبو بكر الصديق إلى أنه بمنزلة الأب ، ولم يخالفه أحد من الصحابة أيام خلافته ، واختلفوا في ذلك بعد وفاته ، فقال بقول أبي بكر ابن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعائشة ، ومعاذ بن جبل ، وأبيّ بن كعب ، وأبو الدرداء ، وأبو هريرة ، وعطاء ، وطاوس ، والحسن وقتادة ، وأبو حنيفة ، وأبو ثور ، وإسحاق ، واحتجوا بمثل قوله تعالى : (مِلَّةَ
__________________
(١). الأنفال : ١٢.