النكاح ، مقيدة هذه الغاية بإيناس الرشد ، فلا بد من مجموع الأمرين ، فلا تدفع إلى اليتامى أموالهم قبل البلوغ ، وإن كانوا معروفين بالرشد ، ولا بعد البلوغ إلّا بعد إيناس الرشد منهم. والمراد بالرشد : نوعه ، وهو المتعلق بحسن التصرف في أمواله ، وعدم التبذير بها ، ووضعها في مواضعها. قوله : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) الإسراف في اللغة : الإفراط ومجاوزة الحدّ. وقال النضر بن شميل : السرف والتبذير ، والبدار : المبادرة و (أَنْ يَكْبَرُوا) في موضع نصب بقوله : (بِداراً) أي : لا تأكلوا أموال اليتامى أكل إسراف وأكل مبادرة لكبرهم ، أو : لا تأكلوا لأجل السرف ، ولأجل المبادرة ، أو : لا تأكلوها مسرفين ومبادرين لكبرهم ، وتقولوا : ننفق أموال اليتامى فيما نشتهي قبل أن يبلغوا فينتزعوها من أيدينا. قوله : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) بين سبحانه ما يحل لهم من أموال اليتامى ، فأمر الغنيّ بالاستعفاف وتوفير مال الصبي عليه ، وعدم تناوله منه ، وسوّغ للفقير أن يأكل بالمعروف.
واختلف أهل العلم في الأكل بالمعروف ما هو؟ فقال قوم : هو القرض إذا احتاج إليه ويقضي متى أيسر الله عليه ، وبه قال عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وعبيدة السلماني ، وابن جبير ، والشعبي ، ومجاهد ، وأبو العالية ، والأوزاعي ، وقال النخعي ، وعطاء والحسن وقتادة : لا قضاء على الفقير فيما يأكل بالمعروف ، وبه قال جمهور الفقهاء. وهذا بالنظم القرآني ألصق فإن إباحة الأكل للفقير مشعرة بجواز ذلك له من غير قرض. والمراد بالمعروف : المتعارف به بين الناس ، فلا يترفه بأموال اليتامى ، ويبالغ في التنعم بالمأكول ، والمشروب ، والملبوس ، ولا يدع نفسه عن سدّ الفاقة وستر العورة. والخطاب في هذه الآية لأولياء الأيتام القائمين بما يصلحهم ، كالأب والجدّ ووصيهما. وقال بعض أهل العلم : المراد بالآية : اليتيم إن كان غنيا : وسع عليه وعفّ من ماله ، وإن كان فقيرا : كان الإنفاق عليه بقدر ما يحصل له ، وهذا القول في غاية السقوط. قوله : (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) أي : إذا حصل مقتضى الدفع فدفعتم إليهم أموالهم ، فأشهدوا عليهم أنهم قد قبضوها منكم ، لتندفع عنكم التهم ، وتأمنوا عاقبة الدعاوى الصادرة منهم. وقيل : إن الإشهاد المشروع : هو ما أنفقه عليهم الأولياء قبل رشدهم ؛ وقيل : هو على ردّ ما استقرضه إلى أموالهم ، وظاهر النظم القرآني : مشروعية الإشهاد على ما دفع إليهم من أموالهم ، وهو يعمّ الإنفاق قبل الرشد ، والدفع للجميع إليهم بعد الرشد (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) أي : حاسبا لأعمالكم ، شاهدا عليكم في كل شيء تعملونه ، ومن جملة ذلك : معاملتكم لليتامى في أموالهم ، وفيه وعيد عظيم ، والباء : زائدة ، أي : كفى الله.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) يقول : لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة ، فتعطيه امرأتك أو بنتك ، ثم تضطر إلى ما في أيديهم ، ولكن أمسك مالك ، وأصلحه ، وكن أنت الذي تنفق عليهم في كسوتهم ورزقهم ومؤونتهم. قال : وقوله : (قِياماً) يعني : قوامكم من معايشكم. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه من طريق العوفي في الآية يقول : لا تسلط السفيه من ولدك على مالك ، وأمره أن يرزقه منه ويكسوه. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : هم بنوك والنساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ