ظاهر الإضافة ، فالمعنى واضح. وأما على قول من قال : إنها أموال اليتامى ، فالمعنى : أنها من جنس ما تقوم به معايشكم ، ويصلح به حالكم من الأموال. وقرأ الحسن والنخعي : «اللاتي جعل» قال الفراء : الأكثر في كلام العرب النساء اللواتي ، والأموال التي ، وكذلك غير الأموال ، ذكره النحاس. قوله : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) أي : اجعلوا لهم فيها رزقا أو افرضوا لهم ، وهذا فيمن تلزم نفقته وكسوته من الزوجات والأولاد ونحوهم. وأما على قول من قال : إن الأموال هي أموال اليتامى ، فالمعنى : اتجروا فيها حتى تربحوا وتنفقوا عليهم من الأرباح ، أو اجعلوا لهم من أموالهم رزقا ينفقونه على أنفسهم ويكتسون به. وقد استدل بهذه الآية : على جواز الحجر على السفهاء ، وبه قال الجمهور. وقال أبو حنيفة : لا يحجر على من بلغ عاقلا ، واستدل بها أيضا : على وجوب نفقة القرابة. والخلاف في ذلك معروف في مواطنه. قوله : (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) قيل : ادعوا لهم : بارك الله فيكم ، وح ، وصنع لكم ؛ وقيل : معناه : عدوهم وعدا حسنا ، قولوا لهم : إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم ؛ ويقول الأب لابنه : مالي سيصير إليك ، وأنت إن شاء الله صاحبه ، ونحو ذلك. والظاهر من الآية من يصدق عليه مسمى القول الجميل ، ففيه إرشاد إلى حسن الخلق مع الأهل والأولاد ، أو مع الأيتام المكفولين. وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم فيما صحّ عنه : «خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي». قوله : (وَابْتَلُوا الْيَتامى) الابتلاء : الاختبار. وقد تقدّم تحقيقه. وقد اختلفوا في معنى الاختبار ، فقيل : هو أن يتأمل الوصي أخلاق يتيمه ؛ ليعلم بنجابته وحسن تصرفه ؛ فيدفع إليه ماله إذا بلغ النكاح وآنس منه الرشد ؛ وقيل : معنى الاختبار : أن يدفع إليه شيئا من ماله ؛ ويأمره بالتصرف فيه حتى يعلم حقيقة حاله. وقيل : معنى الاختبار : أن يرد النظر إليه في نفقة الدار ليعرف كيف تدبيره ، وإن كانت جارية ردّ إليها ما يردّ إلى ربة البيت من تدبير بيتها. والمراد ببلوغ النكاح : بلوغ الحلم ، لقوله تعالى : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) (١) ومن علامات البلوغ : الإنبات ، وبلوغ خمس عشرة سنة. وقال مالك وأبو حنيفة وغيرهما : لا يحكم لمن لم يحتلم بالبلوغ إلّا بعد مضي سبع عشرة سنة ، وهذه العلامات تعم الذكر والأنثى ، وتختص الأنثى : بالحبل والحيض. قوله : (فَإِنْ آنَسْتُمْ) أي : أبصرتم ورأيتم ، ومنه قوله : (آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) (٢). قال الأزهري : تقول العرب اذهب فاستأنس هل ترى أحدا ، معناه : تبصر ؛ وقيل : هو هنا بمعنى : وجد وعلم ، أي : فإن وجدتم وعلمتم منهم رشدا. وقراءة الجمهور : «رشدا» بضم الراء وسكون الشين. وقرأ ابن مسعود ، والسلمي ، وعيسى الثقفي : بفتح الراء والشين ، قيل : هما لغتان ؛ وقيل : هو بالضم مصدر رشد ، وبالفتح مصدر رشد.
واختلف أهل العلم في معنى الرشد هاهنا ، فقيل : الصلاح في العقل والدين ؛ وقيل : في العقل خاصة. قال سعيد بن جبير والشعبي : إنه لا يدفع إلى اليتيم ماله إذا لم يؤنس رشده وإن كان شيخا. قال الضحاك : وإن بلغ مائة سنة. وجمهور العلماء على أن الرشد لا يكون إلّا بعد البلوغ ، وعلى أنه إن لم يرشد بعد بلوغ الحلم لا يزول عنه الحجر. وقال أبو حنيفة : لا يحجر على الحرّ البالغ وإن كان أفسق الناس وأشدهم تبذيرا ، وبه قال النخعي ، وزفر ، وظاهر النظم القرآني : أنه لا تدفع إليهم أموالهم إلّا بعد بلوغ غاية ، هي : بلوغ
__________________
(١). النور : ٥٩.
(٢). القصص : ٢٩.