بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢) الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤))
قال أهل التفسير : لما أنزل الله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (١) قال قوم من اليهود : [إن الله فقير ونحن أغنياء يقترض منا ، وإنما قالوا] (٢) هذه المقالة تمويها على ضعفائهم لا أنهم يعتقدون ذلك ، لأنهم أهل الكتاب ، بل أرادوا : أنه تعالى إن صح ما طلبه منا من القرض على لسان محمد فهو فقير ، ليشككوا على إخوانهم في دين الإسلام. وقوله : (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) سنكتبه في صحف الملائكة ، أو سنحفظه ، أو سنجازيهم عليه. والمراد : الوعيد لهم ، وأن ذلك لا يفوت على الله ، بل هو معدّ لهم ليوم الجزاء. وجملة سنكتب على هذا : مستأنفة ، جوابا لسؤال مقدّر ، كأنه قيل : ماذا صنع الله بهؤلاء الذين سمع منهم هذا القول الشنيع؟ فقال : قال لهم : (سَنَكْتُبُ ما قالُوا). وقرأ الأعمش ، وحمزة : «سيكتب» بالمثناة التحتية ، مبني للمفعول. وقرأ : برفع اللام من «قتلهم» ، «ويقول» : بالياء المثناة تحت. قوله : (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ) عطف على ما قالوا ، أي : ونكتب قتلهم الأنبياء : أي : قتل أسلافهم للأنبياء ، وإنما نسب ذلك إليهم لكونهم رضوا به ، جعل ذلك القول قرينا لقتل الأنبياء ، تنبيها : على أنه من العظم والشناعة بمكان يعدل قتل الأنبياء. قوله : (وَنَقُولُ) معطوف على (سَنَكْتُبُ) أي : ننتقم منهم بعد الكتابة بهذا القول الذي نقوله لهم في النار ، أو عند الموت ، أو عند الحساب. والحريق : اسم للنار الملتهبة ، وإطلاق الذوق على إحساس العذاب فيه مبالغة بليغة. وقرأ ابن مسعود : ويقال ذوقوا والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى العذاب المذكور قبله ، وأشار إلى القريب بالصيغة التي يشار بها إلى البعيد للدلالة على بعد منزلته في الفظاعة ، وذكر الأيدي لكونها المباشرة لغالب المعاصي. وقوله : (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) معطوف على (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) ووجه : أنه سبحانه عذبهم بما أصابوا من الذنب ، وجازاهم على فعلهم ، فلم يكن ذلك ظلما ، أو بمعنى : أنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء ، وليس بظالم لمن عذبه بذنبه ، وقيل : إن وجهه : أن نفي الظلم مستلزم للعدل المقتضي لإثابة المحسن ومعاقبة المسيء ، ورد : بأن ترك التعذيب مع وجود سببه ، ليس بظلم عقلا ولا شرعا ؛ وقيل : إن جملة قوله : (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) في محل رفع على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي : والأمر أن الله ليس بظلام للعبيد ، والتعبير بذلك عن نفي الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم عند أهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا : لبيان تنزهه عن ذلك ، ونفي ظلام المشعر بالكثرة : يفيد ثبوت أصل الظلم. وأجيب عن ذلك : بأن الذي توعد بأن
__________________
(١). البقرة : ٢٤٥.
(٢). ما بين الحاصرتين مستدرك من القرطبي [٤ / ٢٩٤].