التطويق هنا : أنه يكون ما بخلوا به من المال طوقا من نار في أعناقهم ؛ وقيل : معناه : أنه سيحملون عقاب ما بخلوا به فهو من الطاقة وليس من التطويق ؛ وقيل : المعنى : أنهم يلزمون أعمالهم كما يلزم الطوق العنق ، يقال : طوق فلان عمله طوق الحمامة ، أي : ألزم جزاء عمله ؛ وقيل : إن ما لم تؤدّ زكاته من المال يمثل له شجاعا أقرع ، حتى يطوّق به في عنقه. كما ورد ذلك مرفوعا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم. قال القرطبي : والبخل في اللغة : أن يمنع الإنسان الحقّ الواجب ، فأما من منع ما لا يجب عليه فليس ببخيل. قوله : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : له وحده لا لغيره ، كما يفيده التقديم. والمعنى : أن له ما فيهما مما يتوارثه أهلها فما بالهم يبخلون بذلك ولا ينفقونه وهو لله سبحانه لا لهم وإنما كان عندهم عارية مستردة ومثل هذه الآية : قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) (١) وقوله : (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) (٢) ، والميراث في الأصل : هو ما يخرج من مالك إلى آخر ، ولم يكن مملوكا لذلك الآخر قبل انتقاله إليه بالميراث ، ومعلوم : أن الله سبحانه هو المالك بالحقيقة لجميع مخلوقاته.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن مجاهد : (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) قال : هم المنافقون. وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : ما من نفس برّة ولا فاجرة إلا والموت خير لها من الحياة إن كان برا ، فقد قال الله : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) (٣) وإن كان فاجرا ، فقد قال : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية. وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن أبي الدرداء نحوه. وأخرج سعيد ابن منصور ، وابن المنذر عن محمد بن كعب نحوه. وأخرج عبد بن حميد عن أبي برزة أيضا نحوه. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن السدي قال : قالوا : إن كان محمد صادقا فليخبرنا بمن يؤمن به منا ومن يكفر ، فأنزل الله : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ) الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : يميز أهل السعادة من أهل الشقاوة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : يميز بينهم في الجهاد والهجرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) قال : ولا يطلع على الغيب إلا رسول. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد : (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي) قال : يختص. وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك قال : يستخلص. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) قال : هم أهل الكتاب بخلوا أن يبينوه للناس. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : هم يهود. وأخرج ابن جرير عن السدي قال : بخلوا أن ينفقوها في سبيل الله : لم يؤدوا زكاتها. وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : «من آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته ، مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ـ يعني : شدقيه ـ فيقول : أنا مالك ، أنا كنزك ، ثم تلا هذه الآية» وقد ورد هذا المعنى في أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة يرفعونها.
(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ
__________________
(١). مريم : ٤٠.
(٢). الحديد : ٧.
(٣). آل عمران : ١٩٨.