القشيري : والحزن على كفر الكافر طاعة ، ولكن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يفرط في الحزن ، فنهي عن ذلك ، كما قال الله تعالى
: (فَلا تَذْهَبْ
نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ
نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) وعدى يسارعون بفي دون إلى ، للدلالة : على أنهم مستقرون
فيه مديمون لملابسته ، ومثله : يسارعون في الخيرات. وقوله : (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) تعليل للنهي ؛ والمعنى : أن كفرهم لا ينقص من ملك الله
سبحانه شيئا ؛ وقيل : المراد لن يضروا أولياءه ، ويحتمل أن يراد : لن يضروا دينه
الذي شرعه لعباده ، وشيئا : منصوب على المصدرية ، أي : شيئا من الضرر ؛ وقيل :
منصوب بنزع الخافض ، أي : بشيء. والحظ : النصيب. قال أبو زيد : يقال : رجل حظيظ ،
إذا كان ذا حظّ من الرزق ؛ والمعنى : أن الله يريد أن لا يجعل لهم نصيبا في الجنة
، أو نصيبا من الثواب ، وصيغة الاستقبال : للدالة على دوام الإرادة واستمرارها (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) بسبب مسارعتهم في الكفر ، فكان ضرر كفرهم عائدا عليهم ،
جالبا لهم عدم الحظ في الآخرة ، ومصيرهم في العذاب العظيم. قوله : (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ
بِالْإِيْمانِ) أي : استبدلوا الكفر بالإيمان ، وقد تقدم تحقيق هذه
الاستعارة (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ
شَيْئاً) معناه : كالأول ، وهو للتأكيد لما تقدمه ؛ وقيل : إن
الأول : خاص بالمنافقين ، والثاني يعم جميع الكفار ، والأول أولى. قوله : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) قرأ ابن عامر ، وعاصم ، وغيرهما : (يَحْسَبَنَ) : بالياء التحتية ، وقرأ حمزة : بالفوقية ، والمعنى على
الأولى : لا يحسبن الكافرون أنما نملي لهم بطول العمر ورغد العيش ، أو بما أصابوا
من الظفر يوم أحد (خَيْرٌ
لِأَنْفُسِهِمْ) فليس الأمر كذلك ، بل : (إِنَّما نُمْلِي
لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ). وعلى القراءة الثانية : لا تحسبن يا محمد! أن الإملاء
للذين كفروا بما ذكر خير لأنفسهم ، بل هو شرّ واقع عليهم ، ونازل بهم ، وهو أن
الإملاء الذي نمليه لهم ليزدادوا إثما. فالموصول على القراءة الأولى : فاعل الفعل
، وأنما نملي وما بعده : ساد مسد مفعولي الحسبان عند سيبويه ، أو سادّ مسد أحدهما
، والآخر محذوف عند الأخفش. وأما على القراءة الثانية : فقال الزجاج : إن الموصول
هو المفعول الأول ، وأنما وما بعدها : بدل من الموصول ، ساد مسد المفعولين ، ولا
يصح أن يكون أنما وما بعده هو المفعول الثاني ، لأن المفعول الثاني في هذا الباب
هو الأوّل في المعنى. وقال أبو علي الفارسي : لو صح هذا لكان : خيرا ، بالنصب ،
لأنه يصير بدلا من الذين كفروا ، فكأنه قال : لا تحسبن إملاء الذين كفروا خيرا.
وقال الكسائي والفراء : إنه يقدر تكرير الفعل ، كأنه قال : ولا تحسبنّ الذين كفروا
، ولا تحسبن أنما نملي لهم ، فسدّت مسدّ المفعولين. وقال في الكشاف : فإن قلت كيف
صح مجيء البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين ، ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على
مفعول واحد؟ قلت : صح ذلك من حيث أن التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحى
، ألا تراك تقول جعلت متاعك بعضه فوق بعض مع امتناع سكوتك على متاعك. انتهى. وقرأ
يحيى بن وثاب : (أَنَّما نُمْلِي) بكسر إن فيهما ، وهي قراءة ضعيفة باعتبار العربية.
وقوله : (إِنَّما نُمْلِي
لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) جملة مستأنفة ، مبينة لوجه الإملاء للكافرين. وقد احتج
الجمهور بهذه الآية على بطلان ما تقوله المعتزلة : لأنه سبحانه أخبر بأنه يطيل
أعمار
__________________