الباقون بالنون. والمعنى : كثير من الأنبياء قتل معه ربيون. قرأ نافع ، وابن كثير وأبو عمرو ، ويعقوب ، قتل على البناء للمجهول وهي قراءة ابن عباس ، واختارها أبو حاتم ، وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون في قتل ضمير يعود إلى النبيّ ، وحينئذ يكون قوله : (مَعَهُ رِبِّيُّونَ) : جملة حالية ، كما يقال : قتل الأمير معه جيش ، أي : ومعه جيش ، والوجه الثاني : أن يكون القتل واقعا على ربيون ، فلا يكون في قتل ضمير ، والمعنى : قتل بعض أصحابه ، وهم الربيون. وقرأ الكوفيون وابن عامر : «قاتل» ، وهي قراءة ابن مسعود ، واختارها أبو عبيد ، وقال : إن الله إذا حمد من قاتل كان من قتل داخلا فيه ، وإذا حمد من قتل لم يدخل فيه من قاتل ولم يقتل ، فقاتل أعمّ وأمدح ، ويرجح هذه القراءة الأخرى. والوجه الثاني من القراءة الأولى : ما قتل نبيّ في حرب قط ، وكذا قال سعيد بن جبير. والربيون : بكسر الراء ، قراءة الجمهور ، وقرأ عليّ : بضمها ، وابن عباس : بفتحها ، وواحده : ربي بالفتح منسوب إلى الرب ، والربي : بضم الراء وكسرها ، منسوب إلى الربة ، بكسر الراء وضمها وهي الجماعة ، ولهذا فسرهم جماعة من السلف بالجماعات الكثيرة ؛ وقيل هم الأتباع ؛ وقيل : هم العلماء. قال الخليل : الربي الواحد من العباد الذين صبروا مع الأنبياء وهم الربانيون نسبوا إلى التأله والعبادة ومعرفة الربوبية. وقال الزجاج : الربيون بالضم الجماعات. قوله : (فَما وَهَنُوا) عطف على قاتل ، أو قتل. والوهن انكسار الجدّ بالخوف. وقرأ الحسن : «وهنوا» بكسر الهاء وضمها. قال أبو زيد : لغتان ، وهن الشيء يهن وهنا : ضعف ، أي : ما وهنوا لقتل نبيهم أو لقتل من قتل منهم (وَما ضَعُفُوا) أي : عن عدوّهم (وَمَا اسْتَكانُوا) لما أصابهم في الجهاد. والاستكانة : الذلة والخضوع وقرئ : «وما وهنوا وما ضعفوا» بإسكان الهاء والعين. وحكى الكسائي : ضعفوا ، بفتح العين ، وفي هذا توبيخ لمن انهزم يوم أحد ، وذلّ واستكان وضعف بسبب ذلك الإرجاف الواقع من الشيطان ، ولم يصنع كما صنع أصحاب من خلا من قبلهم من الرسل. قوله : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ) أي : قول أولئك الذين كانوا مع الأنبياء إلا هذا القول ، وقولهم : منصوب على أنه خبر كان. وقرأ ابن كثير ، وعاصم في رواية عنهما : برفع قولهم. وقوله : (إِلَّا أَنْ قالُوا) استثناء مفرغ ، أي : ما كان قولهم عند أن قتل منهم ربانيون ، أو قتل نبيهم (إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) قيل : هي الصغائر. وقوله : (وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) قيل : هي الكبائر ، والظاهر : أن الذنوب تعم كل ما يسمى ذنبا من صغيرة أو كبيرة. والإسراف : ما فيه مجاوزة للحدّ ، فهو من عطف الخاص على العام ، قالوا ذلك مع كونهم ربانيين : هضما لأنفسهم (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) في مواطن القتال (فَآتاهُمُ اللهُ) بسبب ذلك (ثَوابَ الدُّنْيا) من النصر والغنيمة والعزة ونحوها (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أي : ثواب الآخرة الحسن ، وهو نعيم الجنة ، جعلنا الله من أهلها.
وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) قال : تداول من الكفار والمؤمنين في الخير والشرّ. وأخرج ابن أبي شيبة في كتاب المصاحف عن سعيد بن جبير قال : أوّل ما نزل من آل عمران : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) ثم أنزل بقيتها يوم أحد. وأخرج