عن عبد الله بن عمر مرفوعا نحوه أيضا ، وزاد «كلّها في النار إلا ملّة واحدة ، فقيل له : ما الواحدة؟ قال : ما أنا عليه اليوم وأصحابي». وأخرج ابن ماجة عن عوف بن مالك مرفوعا نحوه ، فيه : «فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار ، قيل : يا رسول الله! من هم؟ قال : الجماعة» وأخرجه أحمد من حديث أنس ، وفيه : «قيل يا رسول الله! من تلك الفرقة؟ قال : الجماعة». وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي الأمر بالكون في الجماعة والنهي عن الفرقة. وأخرج ابن أبي حاتم ، والخطيب عن ابن عباس في قوله : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ) قال : تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ، وتسود وجوه أهل البدع والضلالة. وأخرجه الخطيب ، والديلمي عن ابن عمر مرفوعا ، وأخرجه أيضا مرفوعا أبو نصر السجزي في الإبانة عن أبي سعيد. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن أبي كعب في الآية قال : صاروا فرقتين يوم القيامة ، يقال لمن اسود وجهه : أكفرتم بعد إيمانكم؟ فهو الإيمان الذي كان في صلب آدم حيث كانوا أمة واحدة ، وأما الذين ابيضت وجوههم : فهم الذين استقاموا على إيمانهم ، وأخلصوا له الدين ، فبيض الله وجوههم ، وأدخلهم في رضوانه وجنته. وقد روي غير ذلك.
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢))
قوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) هذا كلام مستأنف ، يتضمن بيان حال هذه الأمة في الفضل على غيرها من الأمم ، وكان ، قيل : هي التامة ، أي : وجدتم وخلقتم خير أمة ، ومثله ما أنشده سيبويه :
وجيران لنا كانوا كرام
ومنه قوله تعالى : (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) (١) وقوله : (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) (٢). وقال الأخفش : يريد : أهل أمة ، أي : خير أهل دين ، وأنشد :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة |
|
وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع |
وقيل : معناه : كنتم في اللوح المحفوظ ، وقيل : كنتم منذ آمنتم ، وفيه دليل على أن هذه الأمة الإسلامية خير الأمم على الإطلاق ، وأن هذه الخيرية مشتركة ما بين أول هذه الأمة وآخرها بالنسبة إلى غيرها من الأمم ، وإن كانت متفاضلة في ذات بينها. كما ورد في فضل الصحابة على غيرهم. قوله : (أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) أي : أظهرت لهم ، وقوله : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) إلخ ، كلام مستأنف ، يتضمن بيان كونهم خير أمة ؛ مع ما يشتمل عليه ؛ من أنهم خير أمة ما أقاموا على ذلك واتصفوا به ، فإذا تركوا الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ،
__________________
(١). مريم : ٢٩.
(٢). الأعراف : ٨٦.