من قبورهم ، تكون وجوه المؤمنين مبيضة ووجوه الكافرين مسودة. ويقال : إن ذلك عند قراءة الكتاب ، إذا قرأ المؤمن كتابه رأى حسناته فاستبشر وابيضّ وجهه ، وإذا قرأ الكافر كتابه رأى سيئاته فحزن واسودّ وجهه ، والتنكير في وجوه : للتكثير ، أي : وجوه كثيرة. وقرأ يحيى بن وثّاب : تبيض وتسود : بكسر التاءين. وقرأ الزهري : تبياض وتسواد. قوله : (أَكَفَرْتُمْ) أي : فيقال لهم : أكفرتم ، والهمزة للتوبيخ والتعجب من حالهم ، وهذا تفصيل لأحوال الفريقين بعد الإجمال ، وقدم بيان حال الكافرين لكون المقام مقام تحذير وترهيب ؛ قيل : هم أهل الكتاب ؛ وقيل : المرتدون ؛ وقيل : المنافقون ؛ وقيل : المبتدعون. قوله : (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) أي : في جنته ودار كرامته ، عبر عن ذلك بالرحمة إشارة إلى أن العمل لا يستقل بدخول صاحبه الجنة ، بل لا بد من الرحمة ، ومنه حديث : «لن يدخل أحد الجنة بعمله» وهو في الصحيح. وقوله : (هُمْ فِيها خالِدُونَ) جملة استئنافية ، جواب سؤال مقدر. وتلك : إشارة إلى ما تقدم من تعذيب الكافرين ، وتنعيم المؤمنين. وقوله : (نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) جملة حالية ، وبالحق متعلق بمحذوف ، أي : متلبسة بالحق وهو العدل. وقوله : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) جملة تذييلية مقررة لمضمون ما قبلها ، وفي توجه النفي إلى الإرادة الواقعة على النكرة دليل على أنه سبحانه لا يريد فردا من أفراد الظلم الواقعة على فرد من أفراد العالم. والمراد بما في السموات وما في الأرض : مخلوقاته سبحانه ، أي : له ذلك ، يتصرف فيه كيف يشاء ، وعلى ما يريد ، وعبر بما تغليبا لغير العقلاء لكثرتهم ، أو لتنزيل العقلاء منزلة غيرهم. قال المهدوي : وجه اتصال هذا بما قبله : أنه لما ذكر أحوال المؤمنين والكافرين ، وأنه لا يريد ظلما للعالمين ، وصله بذكر اتساع قدرته وغناه عن الظلم ، لكون ما في السموات وما في الأرض في قبضته وقيل : هو ابتداء كلام يتضمن البيان بأن جميع ما في السموات وما في الأرض له حتى يسألوه ويعبدوه ، ولا يعبدوا غيره. وقوله : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي : لا إلى غيره ، لا شركة ولا استقلالا.
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي جعفر الباقر قال : «قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) قال : الخير : اتّباع القرآن وسنّتي». وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : كل آية ذكرها الله في القرآن في الأمر بالمعروف : فهو الإسلام ، والنهى عن المنكر : فهو عبادة الأوثان والشيطان. انتهى. وهو تخصيص بغير مخصص ، فليس في لغة العرب ولا في عرف الشرع ما يدل على ذلك. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) أي : الإسلام (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) : بطاعة ربهم (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) : عن معصية ربهم. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن الضحاك في الآية قال : هم أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم خاصة وهم الرواة. انتهى. ولا أدري ما وجه هذا التخصيص ، فالخطاب في هذه الآية كالخطاب بسائر الأمور التي شرعها الله لعباده وكلفهم بها. وأخرج أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، والحاكم ، وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وتفرّقت النّصارى على ثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة». وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والحاكم عن معاوية مرفوعا نحوه ، وزاد : «كلّها في النار إلا واحدة وهي الجماعة». وأخرج الحاكم