على إضمار : من ذهب. كقوله : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (١) أي : من صيام. وقرأ الأعمش : ذهب بالرفع على أنه بدل من : ملء ، والواو في قوله : (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) قيل : هي مقحمة زائدة ، والمعنى : لو افتدى به ؛ وقيل : فيه حمل على الغنى كأنه قيل فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا ؛ وقيل : هو عطف على مقدر ؛ أي : لن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو تصدق به في الدنيا ، ولو افتدى به من العذاب ، أي : بمثله.
وقد أخرج النسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالمشركين ، ثم ندم فأرسل إلى قومه : أرسلوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم هل لي من توبة؟ فنزلت : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) إلى قوله : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) فأرسل إليه قومه فأسلم. وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد نحوه ، وقال : هو الحارث بن سويد. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن السدي نحوه ، وأخرج ابن إسحاق ، وابن المنذر عن ابن عباس نحوه أيضا. وقد روي عن جماعة نحوه أيضا. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) قال : هم أهل الكتاب من اليهود ، عرفوا محمدا ، ثم كفروا به. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن الحسن قال : هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وذكر نحو ما تقدّم عنه. وأخرج البزار عن ابن عباس : أن قوما أسلموا ، ثم ارتدوا ، فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) قال السيوطي : هذا خطأ من البزار. وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال : اليهود والنصارى لن تقبل توبتهم عند الموت. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هم اليهود كفروا بالإنجيل وعيسى ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلىاللهعليهوسلم والقرآن. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال : إنما نزلت في اليهود والنصارى ، كفروا بعد إيمانهم ، ثم ازدادوا كفرا بذنوب أذنبوها ، ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم ، ولو كانوا على الهدى قبلت توبتهم ، ولكنهم على الضلالة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن مجاهد في قوله : (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) قال : نموا على كفرهم. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله : (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) قال : ماتوا وهم كفار (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) قال : إذا تاب عند موته لم تقبل توبته. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله : (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) قال : تابوا من الذنوب ؛ ولم يتوبوا من الأصل. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) قال : هو كل كافر. وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن أنس ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان ملء الأرض ذهبا ، أكنت مفتديا به؟ فيقول : نعم ، فيقال له : لقد سئلت ما هو أيسر من ذلك ، فذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) الآية.
__________________
(١). المائدة : ٩٥.