فيهما ، وانتصب : طوعا وكرها ، على الحال ، أي : طائعين ومكرهين. والطوع : الانقياد والاتباع بسهولة ، والكره : ما فيه مشقة ، وهو من أسلم مخافة القتل ، وإسلامه استسلام منه. قوله : (آمَنَّا) إخبار منه صلىاللهعليهوسلم عن نفسه وعن أمته (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) كما فرّقت اليهود والنصارى ، فآمنوا ببعض ، وكفروا ببعض. وقد تقدّم تفسير هذه الآية. (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) أي : منقادون مخلصون. قوله : (دِيناً) مفعول للفعل ، أي : يبتغ دينا حال كونه غير الإسلام ، ويجوز أن ينتصب : غير الإسلام ، على أنه مفعول الفعل ، ودينا : إما تمييز ، أو حال ، إذا أوّل بالمشتق ، أو بدل من : غير. قوله : (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) إما في محل نصب على الحال ، أو جملة مستأنفة ، أي : من الواقعين في الخسران يوم القيامة.
وقد أخرج الطبراني بسند ضعيف عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال : أما من في السموات : فالملائكة ، وأما من في الأرض : فمن ولد على الإسلام ، وأما كرها : فمن أتي به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون. وأخرج الديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الآية : «الملائكة أطاعوه في السّماء ، والأنصار ، وعبد القيس أطاعوه في الأرض». وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية : (أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) حين أخذ عليهم الميثاق. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله : (وَلَهُ أَسْلَمَ) قال : المعرفة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : أما المؤمن : فأسلم طائعا ، فنفعه ذلك وقبل منه ، وأما الكافر : فأسلم حين رأى بأس الله ، فلم ينفعه ذلك ، ولم يقبل منه (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا). وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من ساء خلقه من الرقيق والدوابّ والصبيان فاقرؤوا في أذنه : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ)». وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة عن يونس بن عبيد قال : ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقرأ في أذنها : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) الآية ، إلا ذلت بإذن الله عزوجل. وأخرج أحمد ، والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تجيء الأعمال يوم القيامة فتجيء الصّلاة فتقول : يا ربّ! أنا الصّلاة ، فيقول : إنك على خير ، وتجيء الصّدقة فتقول : يا ربّ! أنا الصدقة ، فيقول : إنك على خير ، ويجيء الصّيام فيقول : أنا الصيام ، فيقول : إنّك على خير ، ثم تجيء الأعمال ، كل ذلك يقول الله : إنك على خير ، ثم يجيء الإسلام فيقول : يا ربّ! أنت السّلام وأنا الإسلام ، فيقول : إنك على خير ، بك اليوم آخذ وبك أعطي ، قال الله تعالى في كتابه : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)».
(كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ