وقيل : المعنى : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، آن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، بالمدّ على الاستفهام ، تأكيدا للإنكار الذي قالوه أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتوه ، فتكون على هذا : أن وما بعدها : في محل رفع على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره تصدّقون بذلك ، ويجوز أن تكون : في محل نصب على إضمار فعل تقديره : تقرون أن يؤتى ، وقد قرأ «آن يؤتى» بالمدّ ابن كثير وابن محيصن ، وحميد. وقال الخليل : أن في موضع خفض ، والخافض محذوف. وقال ابن جريج : المعنى : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهية أن يؤتى ؛ وقيل : المعنى : لا تخبروا بما في كتابكم من صفة محمد صلىاللهعليهوسلم إلا من تبع دينكم ، لئلا يكون ذلك سببا لإيمان غيرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم. وقال الفراء : يجوز أن يكون قد انقطع كلام اليهود عند قوله : (إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) ثم قال الله لمحمد صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) أي : إن البيان الحق بيان الله ، بين أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، على تقدير : لا ، كقوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (١) أي : لئلا تضلوا ، و «أو» في قوله : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ) بمعنى : حتى ، وكذلك قال الكسائي ، وهي عند الأخفش : عاطفة ، كما تقدم. وقيل : إن هدى الله بدل من الهدى ، وأن يؤتى خبر إن ، على معنى : قل : إن هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم. وقد قيل : إن هذه الآية أعظم آي هذه السورة إشكالا وذلك صحيح. وقرأ الحسن : يؤتي ، بكسر التاء الفوقية. وقرأ سعيد بن جبير : إن يؤتى ، بكسر الهمزة على أنها النافية. وقوله : (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) قيل : هي النبوّة ؛ وقيل : أعم منها ، وهو ردّ عليهم ودفع لما قالوه ودبروه.
وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن سفيان قال : كل شيء في آل عمران من ذكر أهل الكتاب فهو في النصارى ، ويدفع هذا : أن كثيرا من خطابات أهل الكتاب المذكورة في هذه السورة لا يصحّ حملها على النصارى ألبتة ، ومن ذلك هذه الآيات التي نحن بصدد تفسيرها ، فإن الطائفة التي ودّت إضلال المسلمين وكذلك الطائفة القائلة : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ) وهي من اليهود خاصة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن قتادة في قوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) قال : تشهدون أن نعت نبيّ الله محمد في كتابكم ، ثم تكفرون به ، وتنكرونه ، ولا تؤمنون به ، وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل : النبيّ الأمّي. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن الربيع مثله. وأخرجا أيضا عن السدي نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل نحوه. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن جريج : (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) على أن الدين عند الله الإسلام ليس لله دين غيره. وأخرجا عن الربيع في قوله : (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ) يقول : لم تخلطون اليهودية والنصرانية بالإسلام ، وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره : الإسلام (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ) يقول : تكتمون شأن محمد ، وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة مثله. وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال عبد الله بن الصيف ، وعديّ ابن زيد ، والحارث بن عوف بعضهم لبعض : تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ، ونكفر به عشية ، حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع ، فيرجعون عن دينهم ، فأنزل الله فيهم : (يا أَهْلَ الْكِتابِ
__________________
(١). النساء : ١٧٦.