أحسن لقوله تعالى : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ونحو ذلك ، فينبغي أن يقصر جوازه على المواطن التي تكون المصلحة في فعله أكثر من المفسدة ، أو على المواطن التي المجادلة فيها بالمحاسنة لا بالمخاشنة. قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ) أي : كل شيء فيدخل في ذلك ما حاججوا به. وقد تقدّم تفسير الحنيف. قوله : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ) أي : أحقهم به وأخصهم للذين اتبعوا ملته واقتدوا بدينه (وَهذَا النَّبِيُ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم ، أفرده بالذكر تعظيما وتشريفا ، وأولويته صلىاللهعليهوسلم بإبراهيم من جهة كونه من ذريته ، ومن جهة موافقته لدينه في كثير من الشريعة المحمدية (وَالَّذِينَ آمَنُوا) من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : اجتمعت نصارى نجران ، وأحبار يهود عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتنازعوا عنده ، فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلا يهوديا ، وقالت النصارى : ما كان إبراهيم إلا نصرانيا ، فنزل فيهم : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ) الآية. وقد روي نحو هذا عن جماعة من السلف. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) يقول : فيما شهدتم ورأيتم وعاينتم (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) يقول : فيما لم تشهدوا ولم تروا ولم تعاينوا. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن قتادة مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في الآية قال : أما الذي لهم به علم فما حرّم عليهم وما أمروا به ، وأما الذي ليس لهم به علم فشأن إبراهيم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : يعذر من حاجّ بعلم ولا يعذر من حاجّ بالجهل. وأخرج ابن جرير عنه عن الشعبي في قوله : (ما كانَ إِبْراهِيمُ) قال : أكذبهم الله وأدحض حجتهم. وأخرج أيضا عن الربيع مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان نحوه. وأخرج عبد بن حميد من طريق شهر بن حوشب : حدّثني ابن غنم أنه لما خرج أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى النجاشي ، فذكر قصتهم معه ، وما قالوه له لما قال له عمرو بن العاص : إنهم يشتمون عيسى ، وهي قصة مشهورة ؛ ثم قال : فأنزلت ذلك اليوم خصومتهم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو بالمدينة (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ) الآية. وأخرج سعيد ابن منصور ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وصححه عن ابن مسعود أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن لكل نبي ولاة من النبيين ، وإن وليّي منهم أبي خليل ربي ثم قرأ : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ) الآية». وأخرج ابن أبي حاتم عن الحكم بن ميناء أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يا معشر قريش إنّ أولى النّاس بالنبيّ المتقون ، فكونوا أنتم سبيل ذلك ، فانظروا أن لا يلقاني النّاس يحملون الأعمال ، وتلقوني بالدنيا تحملونها ، فأصدّ عنكم بوجهي ، ثم قرأ عليهم : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ) الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : كل مؤمن وليّ إبراهيم ؛ ممن مضى ، وممن بقي.
(وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٦٩) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١) وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ