ابن مسعود في قوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) قال : نور للمتقين وهم المؤمنون. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته في التصديق مما جاء منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل أنه قيل له : من المتقون؟ فقال : قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة. وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة أن رجلا قال له : ما التقوى؟ قال : هل وجدت طريقا ذا شوك؟ قال : نعم ، قال : فكيف صنعت؟ قال : إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصّرت عنه ، قال : ذاك التقوى. وأخرج أحمد في الزهد ، عن أبي الدرداء قال : تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة حين يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام. وقد روي نحو ما قاله أبو الدرداء عن جماعة من التابعين. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه ، والترمذي وحسّنه ، وابن ماجة ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، والبيهقي في الشعب ، عن عطية السعدي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتّى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس» فالمصير إلى ما أفاده هذا الحديث واجب ، ويكون هذا معنى شرعيا للمتقي أخصّ من المعنى الذي قدمنا عن صاحب الكشاف زاعما أنه المعنى الشرعي.
(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)
وهو وصف للمتقين كاشف. والإيمان في اللغة : التصديق ، وفي الشرع ما سيأتي. والغيب في كلام العرب : كل ما غاب عنك. قال القرطبي : واختلف المفسرون في تأويل الغيب هنا ، فقالت فرقة : الغيب في هذه الآية هو الله سبحانه ، وضعّفه ابن العربي. وقال آخرون : القضاء والقدر. وقال آخرون : القرآن وما فيه من الغيوب. وقال آخرون : الغيب كل ما أخبر به الرسول مما لا تهتدي إليه العقول من أشراط الساعة وعذاب القبر والحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار. قال ابن عطية : وهذه الأقوال لا تتعارض بل يقع الغيب على جميعها ، قال : وهذا هو الإيمان الشرعي المشار إليه في حديث جبريل حين قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «فأخبرني عن الإيمان؟ قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه ، قال : صدقت» انتهى. وهذا الحديث هو ثابت في الصحيح بلفظ «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، والقدر خيره وشرّه». وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مندة وأبو نعيم كلاهما في معرفة الصحابة ، عن تويلة بنت أسلم قالت : «صلّيت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة ، فاستقبلنا مسجد إيليا فصلّينا سجدتين ، ثم جاءنا من يخبرنا بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد استقبل البيت ، فتحوّل الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال ، فصلّينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام ، فبلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : أولئك قوم آمنوا بالغيب». وأخرج البزار وأبو يعلى والحاكم وصحّحه عن عمر بن الخطاب قال : «كنت جالسا مع النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : أنبئوني بأفضل أهل الإيمان إيمانا؟ فقالوا : يا رسول الله! الملائكة ، قال : هم كذلك ويحقّ لهم ، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها؟ قالوا : يا رسول الله!