أي أنا هذا ، ومنه قوله تعالى : (ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١) ـ (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ) (٢) ـ (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ) (٣) ـ (ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) (٤) وقيل إن الإشارة إلى غائب ؛ واختلف في ذلك الغائب ، فقيل : هو الكتاب الذي كتب على الخلائق بالسعادة والشقاوة والأجل والرزق (لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا مبدل له ، وقيل ذلك الكتاب الذي كتبه الله على نفسه في الأزل أن رحمته سبقت غضبه ، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لمّا قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه فهو موضوع عنده : إنّ رحمتي تغلب غضبي». وفي رواية «سبقت». وقيل الإشارة إلى ما قد نزل بمكة ، وقيل إلى ما في التوراة والإنجيل ، وقيل إشارة إلى قوله قبله الم ، ورجّحه الزمخشري ، وقد وقع الاختلاف في ذلك إلى تمام عشرة أقوال حسبما حكاه القرطبي وأرجحها ما صدّرناه ، واسم الإشارة مبتدأ ، والكتاب صفته ، والخبر لا ريب فيه ، ومن جوّز الابتداء بالم جعل ذلك مبتدأ ثانيا ، وخبره الكتاب أو هو صفته ، والخبر لا ريب فيه ، والجملة خبر المبتدأ. ويجوز أن يكون المبتدأ مقدّرا وخبره الم وما بعده. والريب مصدر ، وهو قلق النفس واضطرابها ، وقيل إن الريب : الشك. قال ابن أبي حاتم : لا أعلم في هذا خلافا. وقد يستعمل الريب في التهمة والحاجة ، حكى ذلك القرطبي. ومعنى هذا النفي العام أن الكتاب ليس بمظنة للريب ؛ لوضوح دلالته وضوحا يقوم مقام البرهان المقتضى ، لكونه لا ينبغي الارتياب فيه بوجه من الوجوه ، والوقف على (فِيهِ) هو المشهور. وقد روي عن نافع وعاصم الوقف على (لا رَيْبَ). قال في الكشاف : ولا بدّ للواقف من أن ينوي خبرا ونظيره قوله تعالى : (قالُوا لا ضَيْرَ) (٥) وقول العرب : لا بأس ، وهي كثيرة في لسان أهل الحجاز ، والتقدير : لا ريب فيه ، فيه هدى. والهدى مصدر. قال الزمخشري : وهو الدلالة الموصلة إلى البغية بدليل وقوع الضلال في مقابلته انتهى. ومحله الرفع على الابتداء وخبره الظرف المذكور قبله على ما سبق. قال القرطبي : الهدى هديان : هدى دلالة وهو الذي يقدر عليه الرسل وأتباعهم ؛ قال الله تعالى : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٦) وقال : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٧) فأثبت لهم الهدى الذي معناه الدلالة والدعوة والتنبيه ، وتفرّد سبحانه بالهدى الذي معناه التأييد والتوفيق ، فقال لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (٨) فالهدى على هذا يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب ، ومنه قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) (٩) وقوله (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (١٠) انتهى. والمتقين من ثبتت لهم التقوى. قال ابن فارس : وأصلها في اللغة قلة الكلام. وقال في الكشاف : المتقي في اللغة : اسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى ، والوقاية : الصيانة ، ومنه : فرس واق ، وهذه الدابة تقي من وجاها : إذا أصابها ضلع من غلظ الأرض ورقة الحافر ، فهو يقي حافره أن يصيبه أدنى شيء يؤلمه. وهو في الشريعة : الذي يقي نفسه تعاطي ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك انتهى. وأخرج ابن جرير والحاكم وصحّحه عن ابن مسعود أن الكتاب : القرآن ، لا ريب فيه : لا شك فيه. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) قال : لا شك فيه. وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال : الريب : الشك. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله ، وكذا ابن جرير عن مجاهد. وأخرج ابن جرير عن
__________________
(١). السجدة : ٦.
(٢). الأنعام : ٨٣.
(٣). البقرة : ٢٥٢.
(٤). الممتحنة : ١٠.
(٥). الشعراء : ٥٠.
(٦). الرعد : ٧.
(٧). الشورى : ٥٢.
(٨). القصص : ٥٦.
(٩). البقرة : ٥.
(١٠). القصص : ٥٦.