فحذف الحرف الزائد ، وقيل : هو مصدر لفعل محذوف ، أي : فنبتت نباتا حسنا. والمعنى : أنه سوّى خلقها من غير زيادة ولا نقصان ؛ قيل ، إنها كانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام ؛ وقيل هو مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها بما يصلحها في جميع أحوالها ، قوله : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) أي : ضمها إليه. وقال أبو عبيدة ضمن القيام بها. وقرأ الكوفيون (وَكَفَّلَها) بالتشديد ، أي : جعله الله كافلا لها وملتزما بمصالحها ، وفي معناه : ما في مصحف أبيّ وأكفلها ، وقرأ الباقون : بالتخفيف على إسناد الفعل إلى زكريا ، ومعناه : ما تقدّم من كونه ضمها إليه وضمن القيام بها. وروى عمرو بن موسى عن عبد الله بن كثير ، وأبي عبد الله الزمني : وكفلها بكسر الفاء. قال الأخفش : لم أسمع كفل. وقرأ مجاهد فتقبلها بإسكان اللام ، على المسألة والطلب ، ونصب ربها على أنه منادى مضاف. وقرأ أيضا وأنبتها بإسكان التاء وكفلها بتشديد الفاء المكسورة وإسكان اللام ونصب زكرياء مع المدّ. وقرأ حفص وحمزة والكسائي : (زَكَرِيَّا) بغير مد ، ومده الباقون. وقال الفراء : أهل الحجاز يمدون زكريا ويقصرونه. قال الأخفش : فيه لغات : المد والقصر ، وزكريّا : بتشديد الياء ، وهو ممتنع على جميع التقادير للعجمة والتعريف مع ألف التأنيث. قوله : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) قدّم الظرف للاهتمام به ، وكلمة : كل : ظرف ، والزمان محذوف ، وما : مصدرية ، أو نكرة موصوفة ، والعامل في ذلك قوله : (وَجَدَ) أي : كل زمان دخوله عليها وجد عندها رزقا ، أي : نوعا من أنواع الرزق. والمحراب في اللغة : أكرم موضع في المجلس ، قاله القرطبي ، وهو منصوب على التوسع ؛ قيل : إن زكريا جعل لها محرابا : لا يرتقى إليه إلا بسلم ، وكان يغلق عليها حتى كبرت ، وكان إذا دخل عليها وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ، فقال : (يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) أي : من أين يجيء لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا؟ (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) فليس ذلك بعجيب ولا مستنكر ، وجملة قوله : (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) تعليلية لما قبلها ، وهو من تمام كلامها ، ومن قال إنه كلام زكريا فتكون الجملة مستأنفة.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) قال : كانت نذرت أن تجعله في الكنيسة يتعبد بها ، وكانت ترجو أن يكون ذكرا. وأخرج ابن المنذر عنه قال : نذرت أن تجعله محررا للعبادة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (مُحَرَّراً) قال : خادما للبيعة. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه قال : محررا خالصا لا يخالطه شيء من أمر الدنيا. وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسّه حين يولد فيستهلّ صارخا من مسّ الشيطان إيّاه إلا مريم وابنها. ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ)». وللحديث ألفاظ عن أبي هريرة هذا أحدها ، وروي من حديث غيره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كفلها زكريا ، فدخل عليها المحراب ، فوجد عندها عنبا في مكتل في غير حينه ، فقال : أنى لك هذا؟ قالت : هو من عند الله ، قال : إن الذي يرزقك العنب في غير حينه لقادر أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولدا (هُنالِكَ