فيكون مضارعا حذفت فيه إحدى التاءين : أي تتولوا ، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى ، فيكون ماضيا. وقوله : (فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) نفي المحبة كناية عن البغض والسخط. ووجه الإظهار في قوله : (فَإِنَّ اللهَ) مع كون المقام مقام إضمار لقصد التعظيم أو التعميم. قوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ) إلخ. لما فرغ سبحانه من بيان أن الدين المرضي هو الإسلام ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم هو الرسول الذي لا يصح لأحد أن يحب الله إلا باتباعه ، وأن اختلاف أهل الكتابين فيه إنما هو لمجرد البغي عليه والحسد له ، شرع في تقرير رسالة النبي صلىاللهعليهوسلم وبين أنه من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة. والاصطفاء : الاختيار. قال الزجاج : اختارهم بالنبوة على عالمي زمانهم ؛ وقيل : إن الكلام على تقدير مضاف ، أي : اصطفى دين آدم ، إلخ ، وقد تقدم الكلام على تفسير العالمين ، وتخصيص آدم بالذكر لأنه أبو البشر ، وكذلك نوح ، فإنه آدم الثاني ، وأما آل إبراهيم ، فلكون النبي صلىاللهعليهوسلم منهم مع كثرة الأنبياء منهم. وأما آل عمران ، فهم وإن كانوا من آل إبراهيم ، فلما كان عيسى عليهالسلام منهم كان لتخصيصهم بالذكر وجه. وقيل : المراد بآل إبراهيم : إبراهيم نفسه ، وبآل عمران : عمران نفسه. قوله : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) نصب ذرية على البدلية مما قبله ، قاله الزجاج : أو على الحالية ، قاله الأخفش ، وقد تقدم تفسير الذرية ، وبعضها من بعض في محل نصب على صفة الذرية ، ومعناه : متناسلة متشعبة ، أو متناصرة متعاضدة في الدين.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن الحسن من طرق قال : قال أقوام على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم : والله يا محمد! إنا لنحب ربنا. فأنزل الله : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ) الآية. وأخرج الحكيم الترمذي عن يحيى بن كثير نحوه. وأخرج أيضا ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن جريج نحوه. وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ) أي : إن كان هذا من قولكم في عيسى حبا لله وتعظيما له (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) أي : ما مضى من كفركم (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء في قوله : (وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ) قال : هم المؤمنون من آل إبراهيم ، وآل عمران ، وآل ياسين ، وآل محمد. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) قال في النية والعمل ، والإخلاص والتوحيد.
(إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧))
قوله : (إِذْ قالَتِ) قال أبو عمرو : (إِذْ) زائدة. وقال محمد بن يزيد : إنه متعلق بمحذوف ، تقديره : اذكر إذ قالت. وقال الزجاج : هو متعلق بقوله : (اصْطَفى) وقيل : متعلق بقوله : (سَمِيعٌ