نخاف أن تسفه أحلامنا |
|
ونجهل الدهر مع الجاهل |
ومن الثاني قول ذي الرمة :
مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت |
|
أعاليها مرّ الرّياح النّواسم |
أي : استضعفها واستلانها بحركتها ، وبالجملة فالسفيه : هو المبذر إما لجهله بالصرف ، أو لتلاعبه بالمال عبثا ، مع كونه لا يجهل الصواب. والضعيف : هو الشيخ الكبير ، أو الصبي. قال أهل اللغة : الضعف بضم الضاد في البدن ، وبفتحها في الرأي. والذي لا يستطيع أن يملّ هو : الأخرس ، أو العييّ الذي لا يقدر على التعبير كما ينبغي ؛ وقيل : إن الضعيف هو المذهول العقل ، الناقص الفطنة ، العاجز عن الإملاء ، والذي لا يستطيع أن يملّ هو الصغير. قوله : (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) الضمير عائد إلى الذي عليه الحق فيملّ عن السفيه وليه المنصوب عنه بعد حجره عن التصرف في ماله ، ويملّ عن الصبي وصيه أو وليه ، وكذلك يملّ عن العاجز الذي لا يستطيع الإملال لضعف وليه ، لأنه في حكم الصبيّ أو المنصوب عنه من الإمام أو القاضي ، ويملّ عن الذي لا يستطيع وكيله ، إذا كان صحيح العقل ، وعرضت له آفة في لسانه أو لم تعرض ، ولكنه جاهل لا يقدر على التعبير كما ينبغي. وقال الطبري : إن الضمير في قوله : (وَلِيُّهُ) يعود إلى الحق ، وهو ضعيف جدا. قال القرطبي في تفسيره : وتصرّف السفيه المحجور عليه دون وليه فاسد إجماعا ، مفسوخ أبدا ، لا يوجب حكما ، ولا يؤثر شيئا ، فإن تصرف سفيه ولا حجر عليه ففيه خلاف. انتهى. قوله : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) الاستشهاد : طلب الشهادة ، وسماهما شهيدين قبل الشهادة من مجاز الأول ، أي : باعتبار ما يؤول إليه أمرهما من الشهادة ، و (مِنْ رِجالِكُمْ) متعلق بقوله : (وَاسْتَشْهِدُوا) أو بمحذوف هو : صفة لشهيدين ، أي : كائنين من رجالكم ، أي : من المسلمين ، فيخرج الكفار ، ولا وجه لخروج العبيد من هذه الآية ؛ فهم إذا كانوا مسلمين من رجال المسلمين ، وبه قال شريح ، وعثمان البتي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو ثور. وقال ابو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وجمهور العلماء : لا تجوز شهادة العبد لما يلحقه من نقص الرق. وقال الشعبي والنخعي : يصح في الشيء اليسير دون الكثير. واستدل الجمهور على عدم جواز شهادة العبد : بأن الخطاب في هذه الآية مع الذين يتعاملون بالمداينة ، والعبيد لا يملكون شيئا تجري فيه المعاملة. ويجاب عن هذا : بأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وأيضا : العبد تصح منه المداينة ، وسائر المعاملات ؛ إذا أذن له مالكه بذلك. وقد اختلف الناس هل الإشهاد واجب أو مندوب؟ فقال أبو موسى الأشعري ، وابن عمر ، والضحاك ، وسعيد بن المسيب ، وجابر بن زيد ، ومجاهد ، وداود بن علي الظاهري وابنه : إنه واجب ، ورجحه ابن جرير الطبري ؛ وذهب الشعبي ، والحسن ، ومالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : إلى أنه مندوب ، وهذا الخلاف بين هؤلاء هو في وجوب الإشهاد على البيع. واستدل الموجبون بقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) ولا فرق بين هذا الأمر وبين قوله : (وَاسْتَشْهِدُوا) فيلزم القائلين بوجوب الإشهاد في البيع أن يقولوا بوجوبه في المداينة. قوله : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا) أي : الشهيدان (رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) أي : فليشهد رجل وامرأتان ، أو فرجل وامرأتان