قوله : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) أي : يذهب بركته في الدنيا وإن كان كثيرا فلا يبقى بيد صاحبه ؛ وقيل : يمحق بركته في الآخرة. قوله : (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) أي : يزيد في المال الذي أخرجت صدقته ؛ وقيل : يبارك في ثواب الصدقة ويضاعفه ويزيد في أجر المتصدّق ، ولا مانع من حمل ذلك على الأمرين جميعا. قوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) أي : لا يرضى ، لأن الحبّ مختص بالتّوابين ، وفيه تشديد وتغليظ عظيم على من أربى حيث حكم عليه بالكفر ، ووصفه بأثيم للمبالغة ؛ وقيل : لإزالة الاشتراك ، إذ قد يقع على الزراع ، ويحتمل أن المراد بقوله : (كُلَّ كَفَّارٍ) من صدرت منه خصلة توجب الكفر ، ووجه التصاقه بالمقام أن الذين قالوا : إنما البيع مثل الرّبا كفار. وقد تقدم تفسير قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) إلى آخر الآية.
وقد أخرج أبو يعلى من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) قال : يعرفون يوم القيامة بذلك لا يستطيعون القيام إلا كما يقوم المتخبط المنخنق (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) وكذبوا على الله (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا وَمَنْ عادَ) فأكل الربا (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر من وجه آخر عنه أيضا في قوله : (لا يَقُومُونَ) قال : ذلك حين يبعث من قبره. وأخرج الأصبهاني في ترغيبه عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يأتي آكل الرّبا يوم القيامة مختبلا يجرّ شفتيه ، ثم قرأ : (لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ)» وقد وردت أحاديث كثيرة في تعظيم ذنب الربا ، منها : من حديث عبد الله بن مسعود عند الحاكم ، وصححه ، والبيهقي عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «الرّبا ثلاثة وسبعون بابا ، أيسرها مثل أن ينكح الرّجل أمّه ، وإنّ أربى الرّبا عرض الرّجل المسلم (١)» ومن حديث أبي هريرة مرفوعا عند ابن ماجة والبيهقي بلفظ «سبعون بابا» وورد هذا المعنى مع اختلاف العدد عن عبد الله بن سلام وكعب وابن عباس وأنس. وأخرج ابن جرير عن الربيع في الآية قال : يبعثون يوم القيامة وبهم خبل من الشيطان وهي في بعض القراءات : «لا يقومون يوم القيامة». يعني قراءة ابن مسعود المتقدم ذكرها. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة قالت : لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا : «خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المسجد فقرأهنّ على النّاس ، ثم حرّم التجارة في الخمر». وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن عمر بن الخطاب أنه خطب فقال : إن من آخر القرآن نزولا آية الربا ، وإنه قد مات رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يبينه لنا فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم. وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس أنه قال : آخر آية أنزلها على رسوله آية الربا. وأخرج البيهقي في الدلائل عن عمر مثله. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الربا الذي نهى الله عنه قال : كان أهل الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول : لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه. وأخرج أيضا عن قتادة نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن
__________________
(١). إن أربى الربا عرض الرجل المسلم : أي استحقاره والترفع عليه والوقيعة فيه [فيض القدير ٤ / ٥٠].