خيرا ويضم إليه ما يحبطه ؛ فيجده يوم القيامة عند شدّة حاجته إليه لا يسمن ولا يغني من جوع ؛ بحال من له هذه الجنة الموصوفة وهو متصف بتلك الصفة.
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال : قال عمر يوما لأصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم فيم ترون هذه الآية نزلت؟ (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) قالوا : الله أعلم ، قال : قولوا نعلم أو لا نعلم ، فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين! فقال عمر : يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك ، قال ابن عباس : ضربت مثلا لعمل ، قال عمر : أي عمل؟ قال ابن عباس : لرجل عنى (١) يعمل لطاعة الله ، ثم بعث الله له الشيطان فعمل في المعاصي حتى أغرق عمله. وأخرج ابن جرير عن عمر قال : هذا مثل ضرب لإنسان يعمل عملا صالحا حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه ؛ عمل عمل السوء. وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله : (إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ) قال : ريح فيها سموم شديدة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩) وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١))
قوله : (مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) أي : من جيد ما كسبتم ، ومختاره ، كذا قال الجمهور. وقال جماعة : إن معنى الطيبات هنا : الحلال ، ولا مانع من اعتبار الأمرين جميعا ، لأن جيد الكسب ومختاره إنما يطلق على الحلال عند أهل الشرع ، وإن أطلقه أهل اللغة على ما هو جيد في نفسه حلالا كان أو حراما ، فالحقيقة الشرعية مقدّمة على اللغوية. وقوله : (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي : ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الأرض ، وحذف لدلالة ما قبله عليه ، وهي النباتات والمعادن والركاز. قوله : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) أي : لا تقصدوا المال الرديء ، وقرأه الجمهور : بفتح حرف المضارعة وتخفيف الياء ، وقرأ ابن كثير : بتشديدها. وقرأ ابن مسعود : «ولا تأمّموا» وهي لغة. وقرأ أبو مسلم بن خباب : بضم الفوقية وكسر الميم. وحكى أبو عمرو : أن ابن مسعود قرأ : «تؤمّموا» بهمزة بعد المضمومة ، وفي الآية الأمر بإنفاق الطيب ، والنهي عن إنفاق الخبيث. وقد ذهب جماعة من السلف : إلى أن الآية في الصدقة المفروضة ، وذهب آخرون إلى أنها تعم صدقة الفرض والتطوّع ، وهو الظاهر ، وسيأتي من الأدلة ما يؤيد هذا ، وتقديم الظرف
__________________
(١). عنى : ت : عب ونصب ، وفي البخاري «لرجل غنيّ».