تسكن إلى ذلك وتأنس به وتتقوى. وقد اختلف في السكينة على أقوال سيأتي بيان بعضها ، وكذلك اختلف في البقية. فقيل : هي عصا موسى ورضاض الألواح ؛ وقيل : غير ذلك. قيل : المراد بآل موسى وهارون : هما أنفسهما ، أي : مما ترك هارون وموسى ، ولفظ آل : مقحمة لتفخيم شأنهما ؛ وقيل : المراد : الأنبياء من بني يعقوب ، لأنهما من ذرية يعقوب ، فسائر قرابته ومن تناسل منه آل لهما. وفصل : معناه : خرج بهم ، فصلت الشيء فانفصل ، أي : قطعته فانقطع ، وأصله متعد ، يقال فصل نفسه ثم استعمل استعمال اللازم كانفصل ؛ وقيل : إن فصل يستعمل لازما ومتعديا ، يقال : فصل عن البلد فصولا ، وفصل نفسه فصلا. والابتلاء : الاختبار. والنهر : قيل هو بين الأردن وفلسطين ، وقرأه الجمهور : بنهر بفتح الهاء. وقرأ حميد ، ومجاهد والأعرج بسكون الهاء. والمراد بهذا الابتلاء اختبار طاعتهم ، فمن أطاع في ذلك الماء أطاع فيما عداه ، ومن عصى في هذا وغلبته نفسه فهو بالعصيان في سائر الشدائد أحرى ، ورخص لهم في الغرفة ليرتفع عنهم أذى العطش بعض الارتفاع ، وليكسروا نزاع النفس في هذه الحال ، وفيه أن الغرفة تكف سورة العطش عند الصابرين على شظف العيش ، الدافعين أنفسهم عن الرفاهية. فالمراد بقوله : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ) أي : كرع ولم يقتصر على الغرفة ، «ومن» ابتدائية. ومعنى قوله : (فَلَيْسَ مِنِّي) أي : ليس من أصحابي ، من قولهم : فلان من فلان ، كأنه بعضه لاختلاطهما وطول صحبتهما ، وهذا مهيع في كلام العرب معروف ، ومنه قول الشاعر :
إذا حاولت في أسد فجورا |
|
فإنّي لست منك ولست منّي |
وقوله : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) يقال : طعمت الشيء ، أي : ذقته ، وأطعمته الماء ، أي : أذقته ، وفيه دليل على أن الماء يقال له : طعام ، والاغتراف : الأخذ من الشيء باليد أو بآلة ، والغرف : مثل الاغتراف ، والغرفة : المرة الواحدة. وقد قرئ بفتح الغين وضمها ، فالفتح للمرة ، والضم اسم للشيء المغترف ؛ وقيل : بالفتح : الغرفة بالكف الواحدة ، وبالضم : الغرفة بالكفين ؛ وقيل : هما لغتان بمعنى واحد ، ومنه قول الشاعر :
لا يدلفون إلى ماء بآنية |
|
إلا اغترافا من الغدران بالرّاح |
قوله : (إِلَّا قَلِيلاً) سيأتي بيان عددهم ، وقرئ : إلا قليل ولا وجه له إلا ما قيل من أنه من هجر اللفظ إلى جانب المعنى ، أي : لم يطعه إلا قليل ، وهو تعسف. قوله : (فَلَمَّا جاوَزَهُ) أي : جاوز النهر طالوت (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) وهم القليل الذين أطاعوه ، ولكنهم اختلفوا في قوّة اليقين ، فبعضهم قال قوله : (لا طاقَةَ لَنَا) و (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ) أي : يتيقنون (أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ). والفئة : الجماعة ، والقطعة منهم ، من فأوت رأسه بالسيف ، أي : قطعته ، وقوله : (بَرَزُوا) أي : صاروا في البراز ، وهو المتسع من الأرض. وجالوت : أمير العمالقة. قالوا : أي : جميع من معه من المؤمنين ، والإفراغ : يفيد معنى الكثرة. وقوله : (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) هذا عبارة عن القوّة وعدم الفشل ، يقال : ثبت قدم فلان على كذا ؛