شهران وخمس ليال. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح : تعتدّ بثلاث حيض ، وهو قول عليّ ، وابن مسعود ، وعطاء ، وإبراهيم النخعي. وقال مالك ، والشافعي ، وأحمد في المشهور عنه : عدّتها حيضة ، وغير الحائض شهر ، وبه يقول ابن عمر ، والشعبي ، ومكحول ، والليث ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، والجمهور. قوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) المراد بالبلوغ هنا : انقضاء العدّة (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ) من التزين ، والتعرّض للخطاب (بِالْمَعْرُوفِ) الذي لا يخالف شرعا ولا عادة مستحسنة. وقد استدل بذلك : على وجوب الإحداد على المعتدة عدة الوفاة. وقد ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من غير وجه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا» وكذلك ثبت عنه صلىاللهعليهوسلم في الصحيحين وغيرهما : النهي عن الكحل لمن هي في عدّة الوفاة. والإحداد : ترك الزينة من الطيب ، ولبس الثياب الجيدة ، والحليّ ، وغير ذلك ، ولا خلاف في وجوب ذلك في عدّة الوفاة ، ولا خلاف في عدم وجوبه في عدّة الرجعية ، واختلفوا في عدّة البائنة على قولين ، ومحل ذلك كتب الفروع.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) قال : كان الرجل إذا مات وترك امرأته اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله. ثم أنزل الله (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) الآية ، فهذه عدة المتوفى عنها إلا أن تكون حاملا ، فعدتها أن تضع ما في بطنها. وقال في ميراثها : (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ..) (١) فبين ميراث المرأة ، وترك الوصية والنفقة (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) يقول : إذا طلقت المرأة أو مات عنها زوجها ، فإذا انقضت عدتها فلا جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرّض للتزويج ، فذلك المعروف. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن أبي العالية قال : ضمت هذه الأيام العشر إلى الأربعة أشهر ، لأن في العشر ينفخ فيه الروح. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) يقول : إذا انقضت عدتها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) يعني : أولياءها. وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم عن ابن عباس : أنه كره للمتوفى عنها زوجها الطيب والزينة. وأخرج مالك ، وعبد الرزاق ، وأهل السنن ، وصححه الترمذي ، والحاكم عن الفريعة بنت مالك بن سنان ، وهي أخت أبي سعيد الخدري : أنها جاءت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم تسأل أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة ، وأن زوجها خرج في طلب أعبد لها أبقوا حتى إذا تطرّف القدوم (٢) لحقهم فقتلوه ، قالت : فسألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم نعم ، فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد فدعاني أو أمر بي فدعيت ، فقال : كيف قلت؟ قالت : فرددت إليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي ، فقال : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ، قالت : فلما كان عثمان بن عفان أرسل إليّ فسألني عن ذلك فأخبرته ، فاتبعه وقضى به.
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ
__________________
(١). النساء : ١٢.
(٢). القدوم : بالتخفيف والتشديد ، موضع إلى ستة أميال من المدينة ، وتطرّف : وصل إلى أطرافه.