إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

فتح القدير [ ج ١ ]

فتح القدير [ ج ١ ]

285/632
*

أزواجا يتربصن بعدهم ، وهو كقولك : السمن منوان بدرهم ، أي : منه. وحكى المهدوي عن سيبويه أن المعنى : وفيما يتلى عليكم الذين يتوفون ؛ وقيل التقدير : وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن ؛ ذكره صاحب الكشاف ، وفيه أن قوله : (وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) لا يلائم ذلك التقدير ، لأن الظاهر من النكرة المعادة المغايرة. وقال بعض النحاة من الكوفيين : إن الخبر عن : الذين ، متروك ، والقصد الإخبار عن أزواجهم بأنهنّ يتربصن. ووجه الحكمة في جعل العدّة للوفاة هذا المقدار أن الجنين الذكر يتحرك في الغالب لثلاثة أشهر ، والأنثى لأربعة ، فزاد الله سبحانه على ذلك عشرا ، لأن الجنين ربما يضعف عن الحركة فتتأخر حركته قليلا ولا تتأخر عن هذا الأجل. وظاهر هذه الآية العموم ، وأن كل من مات عنها زوجها تكون عدّتها هذه العدّة ، ولكنه قد خصص هذا العموم قوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) (١) وإلى هذا ذهب الجمهور. وروي عن بعض الصحابة وجماعة من أهل العلم : أن الحامل تعتدّ بآخر الأجلين ، جمعا بين العام والخاص ، وإعمالا لهما ، والحق ما قاله الجمهور ، والجمع بين العام والخاص على هذه الصفة لا يناسب قوانين اللغة ولا قواعد الشرع ، ولا معنى لإخراج الخاص من بين أفراد العام إلا بيان أن حكمه مغاير لحكم العام ومخالف له. وقد صح عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أذن لسبيعة الأسلمية أن تتزوّج بعد الوضع والتربص الثاني والتصبر عن النكاح. وظاهر الآية عدم الفرق بين الصغيرة والكبيرة والحرّة والأمة وذات الحيض والآيسة ، وأن عدتهنّ جميعا للوفاة أربعة أشهر وعشر ، وقيل إنّ عدة الأمة نصف عدّة الحرة شهران وخمسة أيام. قال ابن العربي : إجماعا إلا ما يحكى عن الأصم فإنه سوّى بين الحرة والأمة ، وقال الباجي : ولا نعلم في ذلك خلافا إلا ما يروى عن ابن سيرين أنه قال عدّتها عدّة الحرّة ، وليس بالثابت عنه ، ووجه ما ذهب إليه الأصمّ وابن سيرين ما في هذه الآية من العموم ، ووجه ما ذهب إليه من عداهما قياس عدّة الوفاة على الحد فإنه ينصف للأمة بقوله تعالى : (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) (٢). وقد تقدم حديث : «طلاق الأمة تطليقتان وعدّتها حيضتان» وهو صالح للاحتجاج به ، وليس المراد منه : إلا جعل طلاقها على النصف من طلاق الحرة ، وعدّتها على النصف من عدّتها ، ولكنه لما لم يمكن أن يقال طلاقها تطليقة ونصف ، وعدّتها حيضة ونصف ، لكون ذلك لا يعقل ، كانت عدّتها وطلاقها ذلك القدر المذكور في الحديث جبرا للكسر ، ولكن هاهنا أمر يمنع من هذا القياس الذي عمل به الجمهور ، وهو أن الحكمة في جعل عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشرا هو ما قدّمنا من معرفة خلوّها من الحمل ، ولا يعرف إلا بتلك المدّة ، ولا فرق بين الحرة والأمة في مثل ذلك ، بخلاف كون عدتها في غير الوفاة حيضتين ، فإن ذلك يعرف به خلو الرحم ، ويؤيد عدم الفرق ما سيأتي في عدّة أم الولد. واختلف أهل العلم في عدّة أم الولد لموت سيدها. فقال سعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وابن سيرين ، والزهري ، وعمر بن عبد العزيز ، والأوزاعي ، وإسحاق ابن راهويه ، وأحمد بن حنبل في رواية عنه : أنها تعتدّ بأربعة أشهر وعشر لحديث عمرو بن العاص قال : لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم «عدّة أمّ الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر». أخرجه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجة ، والحاكم ، وصححه ، وضعفه أحمد ، وأبو عبيد. قال الدارقطني : الصواب أنه موقوف. وقال طاوس وقتادة : عدّتها

__________________

(١). الطلاق : ٤.

(٢). النساء : ٢٥.