آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣))
لما ذكر الله سبحانه النكاح والطلاق ، ذكر الرضاع ، لأن الزوجين قد يفترقان وبينهما ولد ، ولهذا قيل : إن هذا خاصّ بالمطلقات ؛ وقيل : هو عام. وقوله : (يُرْضِعْنَ) قيل : هو خبر في معنى الأمر للدلالة على تحقق مضمونه ؛ وقيل : هو خبر على بابه ليس هو في معنى الأمر على حسب ما سلف في قوله : (يَتَرَبَّصْنَ) وقوله : (كامِلَيْنِ) تأكيد للدلالة على أن هذا التقدير تحقيقي لا تقريبي. وقوله : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) أي : ذلك لمن أراد أن يتم الرضاعة ، وفيه دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتما ، بل هو التمام ، ويجوز الاقتصار على ما دونه. وقرأ مجاهد ، وابن محيصن : «لمن أراد أن تتم» بفتح التاء ، ورفع الرضاعة ، على إسناد الفعل إليها. وقرأ أبو حيوة ، وابن أبي عبلة ، والجارود بن أبي سبرة : بكسر الراء من الرضاعة وهي لغة. وروي عن مجاهد أنه قرأ : الرضعة ، وقرأ ابن عباس : «لمن أراد أن يكمل الرضاعة». قال النحاس : لا يعرف البصريون الرضاعة إلا بفتح الراء. وحكى الكوفيون جواز الكسر. والآية تدل على وجوب الرضاع على الأم لولدها ، وقد حمل ذلك على ما إذا لم يقبل الرضيع غيرها. قوله : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَ) أي : على الأب الذي يولد له ، وآثر هذا اللفظ دون قوله : وعلى الوالد ، للدلالة على أن الأولاد للآباء ، لا للأمهات ، ولهذا ينسبون إليهم دونهنّ ، كأنهنّ إنما ولدن لهم فقط ، ذكر معناه في الكشاف ، والمراد بالرزق هنا : الطعام الكافي المتعارف به بين الناس ، والمراد بالكسوة : ما يتعارفون به أيضا ؛ وفي ذلك دليل على وجوب ذلك على الآباء للأمهات المرضعات. وهذا في المطلقات ، وأما غير المطلقات فنفقتهنّ وكسوتهنّ واجبة على الأزواج من غير إرضاعهنّ لأولادهنّ. وقوله : (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها) هو تقييد لقوله : (بِالْمَعْرُوفِ) أي : هذه النفقة والكسوة الواجبتان على الأب بما يتعارفه الناس لا يكلف منها إلا ما يدخل تحت وسعه ، وطاقته ، لا ما يشق عليه ويعجز عنه ؛ وقيل : المراد : لا تكلف المرأة الصبر على التقتير في الأجرة ، ولا يكلف الزوج ما هو إسراف ؛ بل يراعى القصد. قوله : (لا تُضَارَّ) قرأ أبو عمرو ، وابن كثير ، وجماعة ، ورواه أبان عن عاصم : بالرفع على الخبر ؛ وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وعاصم في المشهور عنه : «تضارّ» بفتح الراء المشدّدة على النهي ، وأصله : لا تضارر ، على البناء للفاعل أو المفعول ، أي : لا تضارر الأب بسبب الولد ، بأن تطلب منه ما لا يقدر عليه من الرزق والكسوة ، أو : بأن تفرط في حفظ الولد ، والقيام بما يحتاج إليه ؛ أو : لا تضارر من زوجها ، بأن يقصر عليها في شيء مما يجب عليه أو ينتزع ولدها منها بلا سبب ، وهكذا قراءة الرفع تحتمل الوجهين ؛ وقرأ عمر بن الخطاب : «لا تضارر» على الأصل بفتح الراء الأولى ؛ وقرأ أبو جعفر بن القعقاع : «لا تضار» بإسكان الراء وتخفيفها ، وروي عنه الإسكان والتشديد ؛ وقرأ الحسن وابن عباس «لا تضارر» بكسر الراء الأولى ؛ ويجوز أن تكون الباء في قوله : بولده ، صلة لقوله تضارّ ، على أنه بمعنى تضر ، أي : لا تضرّ والدة بولدها ، فتسيئ تربيته ، أو تقصر في غذائه ؛ وأضيف الولد تارة إلى الأب وتارة إلى الأم ، لأن كل واحد منهما يستحق أن ينسب إليه مع ما في ذلك من الاستعطاف ، وهذا الجملة تفصيل للجملة التي قبلها وتقرير لها ، أي : لا يكلف كل واحد