قوله : (وَلا تَنْكِحُوا) قرأه الجمهور بفتح التاء ، وقرئ في الشواذ بضمها ؛ قيل والمعنى : كأن المتزوج لها أنكحها من نفسها. وفي هذه الآية النهي عن نكاح المشركات ، فقيل : المراد بالمشركات الوثنيات ؛ وقيل : إنها تعم الكتابيات ؛ لأن أهل الكتاب مشركون : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) (١) وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية ، فقالت طائفة : إن الله حرم نكاح المشركات فيها والكتابيات من الجملة ، ثم جاءت آية المائدة فخصصت الكتابيات من هذا العموم. وهذا محكي عن ابن عباس ، ومالك ، وسفيان بن سعيد ، وعبد الرحمن بن عمر ، والأوزاعي. وذهبت طائفة إلى أن هذه الآية ناسخة لآية المائدة ، وأنه يحرم نكاح الكتابيات والمشركات ، وهذا أحد قولي الشافعي ، وبه قال جماعة من أهل العلم. ويجاب عن قولهم : أن هذه الآية ناسخة لآية المائدة : بأن سورة البقرة من أوّل من نزل وسورة المائدة من آخر ما نزل. والقول الأوّل هو الراجح. وقد قال به ـ مع من تقدم ـ عثمان بن عفان ، وطلحة ، وجابر ، وحذيفة ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وطاوس ، وعكرمة ، والشعبي ، والضحاك ، كما حكاه النحاس ، والقرطبي. وقد حكاه ابن المنذر عن المذكورين ، وزاد عمر بن الخطاب وقال : لا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرّم ذلك. وقال بعض أهل العلم : إن لفظ المشرك لا يتناول أهل الكتاب لقوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (٢). وقال : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ) (٣) وعلى فرض أن لفظ المشركين يعمّ ، فهذا العموم مخصوص بآية المائدة كما قدمنا. قوله : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ) أي : ولرقيقة مؤمنة ، وقيل : المراد بالأمة : الحرة ، لأن الناس كلهم عبيد الله وإماؤه ، والأول أولى لما سيأتي ، لأنه الظاهر من اللفظ ، ولأنه أبلغ ، فإنّ تفضيل الأمة الرقيقة المؤمنة على الحرّة المشركة يستفاد منه تفضيل الحرّة المؤمنة على الحرّة المشركة بالأولى. وقوله : (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) أي : ولو أعجبتكم المشركة ، من جهة كونها ذات جمال ، أو مال ، أو شرف ، وهذه الجملة حالية. قوله : (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ) أي : لا تزوجوهم بالمؤمنات (حَتَّى يُؤْمِنُوا) قال القرطبي : وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه ، لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام ، وأجمع القراء على ضم التاء من : تنكحوا. وقوله : (وَلَعَبْدٌ) الكلام فيه كالكلام في قوله : (وَلَأَمَةٌ) والترجيح كالترجيح. قوله : (أُولئِكَ) إشارة إلى المشركين والمشركات (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي : إلى الأعمال الموجبة للنار ، فكان في مصاهرتهم ومعاشرتهم ومصاحبتهم من الخطر العظيم ما لا يجوز للمؤمنين أن يتعرضوا له ، ويدخلوا فيه (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ) أي : إلى الأعمال الموجبة للجنة ، وقيل : المراد : أن أولياء الله هم المؤمنون يدعون إلى الجنة. وقوله : (بِإِذْنِهِ) أي : بأمره ، قاله الزجاج ؛ وقيل : بتيسيره وتوفيقه ، قاله صاحب الكشاف.
وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وابن المنذر عن مقاتل بن حيان قال : نزلت هذه الآية في أبي مرثد الغنوي ، استأذن النبي صلىاللهعليهوسلم في عناق أن يتزوجها ، وكانت ذات حظ من جمال ، وهي مشركة وأبو مرثد يومئذ مسلم ، فقال : يا رسول الله! إنها تعجبني ، فأنزل الله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ). وأخرج ابن جرير ، وابن
__________________
(١). التوبة : ٣٠.
(٢). البقرة : ١٠٥.
(٣). البينة : ١.